سهم في قلب الديمقراطية الإسرائيلية المحتضرة

قانون “الولاء في الثقافة” الذي اطلقته الوزيرة ميري ريجيف يتناسى بأن الحكومة هي ليست فقط لمؤيديها انما أيضاً لمعارضيها اللذين يحق لهم الحصول على نصيب من الاموال العامة التي تمول الثقافة
ايلي شموئيلي

 

مطلب “الولاء” يطرح مرة تلو الاخرى على مدار السنة الأخيرة، فقد طرح خلال النقاش على ترشح عضوة الكنيست حنين زعبي، كما انه يرفع بعنف بوجه كل الفلسطينيين مواطني إسرائيل، وظهر أيضاً باقتراح نفتالي بينيت اللذين يطالب الفنانين بالاعلان عن ولائهم للدولة كشرط لادراج اعمالهم بالبرامج التعليمية لوزارة التربية. لكل هذه انضم في الاسبوع الماضي “قانون الولاء في الثقافة” للوزيرة ميري ريجيف والذي يهدف، بحسب ما نشر، لتمكينها من سحب التمويل الحكومي عن “كل من يمس او يهين رموز الدولة، يحتفي بيوم الاستقلال كيوم حزن، او يرفض وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية”.

الهجمة السياسية على عالم الفن لم تبدأ بريجيف. سابقتها بالمنصب، ليمور ليفنات، ارادت منع التمويل العام من أعمال لا تتوافق مع طرحها السياسي. أيضاً عندها غابت عن النقاش الادعاءات الحاسمة، لهذا يتوجب الشرح مجدداً لماذا يشكل هذا القانون التي تطرحه ميري ريجيف سهماً اضافياً في قلب الديمقراطية الإسرائيلية المحتضرة.

من ناحية مبدئية، انتقاء الاعمال الفنية وفق المضمون هو مرفوض، لأن الحكومة هي ليست فقط حكومة مؤيديها بل أيضاً حكومة معارضيها. لذلك، فهي ملزمة بتمكين كل النشاطات الثقافية للمواطنين ان كانوا يدعمونها او يعارضونها. العلاقة بين الحكومة وأموال المواطنين تشبه العلاقة بين الوصي واموال الورثة، وليس من وظيفة الوصي ان يدخل اعتبارات شخصية داخلية لكيفية استخدام الاموال بل يجب ان تقف امام ناظره مصلحة الاصحاب القانونيين للأموال فقط. الحكومة هي فقط المؤتمنة على الاموال العامة وليست صاحبتها، وأموال الدولة تعود ايضا للمواطنين المعنيين بذلك النشاط الابداعي الذي تنوي ريجيف منع التمويل عنه.

المسافة بين “قانون الولاء بالثقافة” وقانون يمنع النشر كلياً ليست ببعيدة، بالعكس. اخراج هذه الاعمال خارح القانون هي الخطوة التالية.

هناك من سيردون على ذلك بالقول بأن ريجيف لن تخرج هذه الاعمال خارج القانون بل “فقط” ترفض تمويلها من الميزانيات العامة. لكن حتى ان ظل قانونياً نشرما لم يعد قانونياً تمويله من الأموال العامة، سيضعف ذلك الفن وحرية التعبير ويؤدي الى تعزيز الرقابة الذاتية (للكتاب والفناينن على انفسهم). المسافة بين “قانون الولاء بالثقافة” وقانون يمنع النشر كلياً ليست ببعيدة، بالعكس. اخراج هذه الاعمال خارح القانون هي الخطوة التالية. قد يحاول المبادرين للقانون استخدام الخلاف الذي تثيره المعايير الفنية لأعضاء اللجان المسؤولة عن توزيع التمويل للادعاء بأن هذه الخطوة لا تهدف إلا لإدخال العدل بالتوزيع. هذه المعايير تثير الخلاف من قبل ولكن الخلاف يجب ان يبقى بين الاوساط الفنية دون ان يمس السياسيين النقاش فهذا نقاش ثقافي ويجسد بنفسه عملية نمو الثقافة. لا يوجد هناك علة، ومن الممنوع، السعي ل”معايير مطلقة” تصفي النقاش حول المقاييس داخل الاوساط الثقافية، فهذا النقاش هو التطور الطبيعي للثقافة، وموته سيكون موت الثقافة.

الحديث هنا ليس عن نقاش اداري حول توزيع الميزانيات، فريجيف لا تسمي اقتراحها ب”قانون الولاء في الثقافة” عبثاُ. بين السطور تهب رياح سيئة هدفها موضعة الولاء كقيمة عليا وكقاسم مشترك وحيد يمكن من خلاله الحصول على الشرعية بالمجتمع الإسرائيلي. حان الوقت للإعلان بوجه كل مطالبي الولاء على أشكالهم بأن امتحان الشرعية في الديمقراطية هو ليس الولاء للدولة انما لقيم الديمقراطية. فقط بالدول الفاشية، الدولة نفسها تعتبر قيمة عليا تتفوق على اية قيم أخرى. عندما تتحول الدولة لقيمة عليا ويصبح امتحان الشرعية الوحيد هو الولاء للدولة، يجد المواطنين أنفسهم مضطرين الى التعاون مع الدولة حتى عندما تتعارض اعمالها مع قيم ديمقراطية انسانية، أي حتى عندما تقترف الدولة جرائم. هكذا يتم في نهاية المطاف شراء صمت المواطنين وتعاونهم مع جرائم ضد الانسانية. يجب معارضة مطلب الولاء: كون الانسان اسرائيلي لا يلزمة قطعاً بدعم الجرائم الإسرائيلية. واجبه الأول بأن يكون صاحب ضمير وان يفحص بكل لحظة ولحظة ان كانت دولته مخلصة للقيم الانسانية العليا.

ايلي شموئيلي هو كاتب

وسوم:
التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.