عندما تحاول السياسة اخضاع المجتمع الطبي
المجتمع الطبي ليس منقطعاً عن الواقع الذي يعمل به، فكثيراً ما تقف ببابه تحديات تعكس مشاكل اجتماعية وقرارات سياسية. في كل يوم تقف طبيبات امام مرضى غير قادرين على المشاركة بتكاليف الادوية او يلتقين بمرضى بغرف الطوارئ لا تأمين صحي لديهم. “قانون الإطعام القسري” يبرز بشذوذه حتى مقارنةً بهذه الحالات. خلال مساعيه لإذعان المضربين عن الطعام، يحاول الجهاز السياسي-الأمني تجنيد أجهزة إضافية لجانبه- كالأجهزة القضائية، الإعلامية والطبية. وبينما اعطيت صلاحية للجهاز القضائي لفرض الإطعام القسري لاعتبارات شتى (من بينها امور ليس لها علاقة او نصف علاقة بصحة وحياة المضرب عن الطعام)، يضطر الجهاز الطبي الي التعامل مع قضية سياسية بأساسها ولو ان انعكاساتها طبية أيضاً. ينطوي هذا التعامل على مركبين هامين: الأول، هل سيفي الأطباء بالتزامهم تجاه متلقي العلاج والعمل وفق تعليماته ورغبته والحفاظ بذلك على الأخلاقيات الطبية: والثاني، هل سيكون بالإمكان العمل لإنهاء الاضراب دون ان يموت المضرب عن الطعام او أن يبقى مع ضرر صحي لمدى الحياة.
المركب الأول يتواجد بشكل كامل بمسؤولية الجهاز الطبي بينما الثاني كله بيد الجهاز الأمني-السياسي. قانون الإطعام القسري هو محاولة مضللة للضغط على الجهاز الطبي ليأخذ المركب الثاني على عاتقه أيضاً ولإخضاع المضرب عن الطعام بواسطته. وقد كانت بداية القانون بعمل مخادع حاول عرض الإطعام القسري وكأنه يعتمد على مبدأ قدسية الحياة- مع ان كل الجهات السياسية اعترفت بتصريحاتها بأن القصد من وراءه احتواء الأضرار السياسية التي قد تنتج عن الاضراب بحال توفي المضرب عن الطعام.
لكن غالبية المجتمع الطبي في إسرائيل تبنت موقفاً رافضاً للقانون الذي لم يتم تنفيذه حتى الآن. فهل يعتبر هذا بعداد الموتى، وهل فشل الجهاز السياسي بكسر نضال المضربين عن الطعام؟. هل فشلت المحاولة لكسر المجتمع الطبي أيضاً وتجنيده لخدمة الجهاز الأمني؟. التعامل الذي يلقاه المضربين عن الطعام حتى الآن ممكن ان يشير الى قوة المجتمع الطبي. من المحتمل بأن السبب لذلك هو بأن الإطعام القسري يتطلب مشاركة فعالة من قبل الطبيب؟ هل بالغت الأجهزة السياسية- الأمنية بتقدير قوتها وقدرتها على إخضاع المنظومة الطبية؟.
حقيقة امتناع الجهاز السياسي-الأمني عن تطبيق القانون ممكن ان تفسر كانتصار للأطباء والطبيبات الرافضين. بنهاية المطاف، أيضاً الجهاز السياسي يعي بأن الإطعام القسري ممكن ان يثير ضجة بدرجة ليس أقل من موت المضرب عن الطعام. تحت السطح، يجب فحص الضغوطات الواقعة على لجان الاخلاقيات في المستشفيات التي يمكث فيها المضربين عن الطعام. قرار هذه اللجان بمستشفى “سوروكا” ومستشفى “هعيمق” بإتاحة العلاج القسري يؤكد بأن هناك ضغوطات من هذا النوع بيد أنها تلفظ عندما تصل الأطباء المعالجين.
السؤال الآن، هل نجحنا بنضالنا ضد قانون الإطعام القسري أم كتب علينا الفشل لأن الحكم سيجد له طريقاً بنهاية الأمر لإخضاع المجتمع الطبي؟. بكل الأحوال، يجب التوقف عند هذا الانجاز للحظة لفهم القوى التي لعبت دوراً لدرأ الهجوم. فيما يتعلق بالمركب الأول، فبفضل العرف المتأصل من ذي قبل حول ضرورة احترام الطاقم الطبي لرغبة متلقي العلاج والعمل وفقاً لها، نجح المجتمع الطبي بالوقوف ضد الإطعام القسري بشكل متين. قوى مدنية، سياسية ومؤسساتية تعمل بحقل الحق بالصحة، كأطباء لحقوق الانسان ونقابة العمال الطبية في اسرائيل وحث المجتمع الطبي الدولي، اجتمعت بلحظة خاصة وشكلت كتلة واحدة تقريباً في رفضها للقانون، وحتى بالإعلان مسبقاً بأنه سيقابل بالرفض. هذه لحظة تذكر بتشخيص المؤرخ هارفارد زين حين قال بأنه يتوجب “التشديد على الامكانيات المستقبلية الكامنة بتلك اللحظات المستترة بالماضي والتي أظهر الناس خلالها، ولو بومضات لحظية، قدرتهم على الإعتراض، التوحد وأحياناً حتى الإنتصار”.
فيما يتعلق بالمركب الثاني- النضال على حياة وحرية المضرب عن الطعام- فهو ما زال بقبضة الجهاز السياسي-الأمني. القانون ما زال كالسيف المرفوع فوق رقبة الطبيبات المعالجات والمضرب عن الطعام بالطبع، ولكنه ربما تحول للحظة واحدة في تاريخنا لسيف ذو حدين. هل يجلب الانتصار بالمركب الاول والالتزام بالأخلاقيات الطبية الى انتصار بالمركب الثاني؟ سنستطيع فحص ذلك فقط على مدى وقت اطول من النقطة الزمنية التي نتواجد فيها اليوم.
هداس زيف هي مركزة لجنة الأخلاقيات بمنظمة “أطباء لحقوق الإنسان”.
د.نوعا بار-حاييم هي أخصائية نفسية وعضوة بلجنة الأخلاقيات ب”أطباء لحقوق الانسان”.