نجاح الفلسطينيين في إسرائيل- ليس بفضل ال"أشكنازقراطية"

الأشكنازيون ليسوا مصدر التثقف، كما أن المعرفة في المجتمع العربي لا تعتمد بشكل حصري على الحياة في ظل ال”أشكنازقراطية”
عبد أبو شحاده

 

قبل أسبوع نشرت على موقع “اللسعة” باللغة العبرية مقالة لايتمار طوبي، كاتب موهوب يقوم عادة بنقد وتحدي العلاقات الإجتماعية والسياسية بين اليهود الأشكنازيين والشرقيين، ويتطرق بين الفينة والأخرى الى الفلسطينيين أيضاً. في مقالته، يحاول طوبي أن يشرح كيف تقدم الفلسطينيون مواطنو إسرائيل على المستوى الأكاديمي أكثر من الشرقيين. بنظرة أولى، أنا أتفق مع الاستنتاجات التي توصل اليها: بالفعل، تحصيل المجتمع العربي بمواضيع معينة هو أعلى من المعدل القطري حتى أنهم يبرزون في معطيات ال “OECD”، لكنني أختلف معه بخصوص الأسباب الحصرية لهذا النجاح، وبإمكاني أن أستعرض هنا اتجاهات أخرى.

طوبي يكتب عن الطريقة التي مر فيها اليهود اللذين ينحدرون من الدول الإسلامية بعملية عكسية من تلك التي مر فيها الفلسطينيين مواطني إسرائيل في نفس الإطار الأشكنازي الصهيوني: “بكل ما يتعلق بالتعليم، على الرغم وربما بفضل القمع المضاعف الذي يعانون منه، عرب إسرائيل تحولوا، بفضل كونهم جيب معزول، من مجتمع زراعي لمجتمع متعلم ومتنوع. بينما يهود الدول الإسلامية مروا بعملية تقلص على المستوى التعليمي والمهني”. هذا الشرح الذي يقدمه طوبي يتجاهل التقاليد الثقافية للشعب الفلسطيني ما قبل الصهيونية- الشعب الذي زود العالم العربي والعالم الغربي بمثقفين من مجالات شتى. عدا عن ذلك فهو يجر المجتمع العربي إلى الصراع الشرقي-الأشكنازي: المجتمع العربي هو ليس جزءاً من الحلبة الشرقية-الأشكنازية بل أنه ينظر الى كلا المعسكرين كعنيفين، عنصريين وقامعين بنفس الدرجة (حتى لو بأشكال مختلفة).

ليس الإمكان تجاهل مساهمة الشرقيون للقمع: نحن نرى أمثلة عن ذلك في النشطاء اللذين يشكون من جهة بأنه تم تعليمهم أن يكرهوا العرب، لكنهم، من جهة أخرى، لا يعتقدون بأن هناك أي شيء مرفوض بتصرف ميري ريجيف، أو غيرهم ممن يختارون أن يصموا آذانهم لكي لا يسمعوا النداءات العنصرية لمشجعي “بيتار” الشرقيين او يتحدثوا عن تصرفات الشرقيين في خدمات الأمن. يهودا شنهاف إدعى بأنه في الوقت الذي يصرخ فيه الشرقيون “الموت للعرب”، الأشكنازيون هم اللذين يقومون بذلك عملياً كونهم الطيارون. لكن هل حقيقة كون الأشكنازيون هم اللذين يقتلون العرب تعفي الشرقيين عملياً من التصرف العنصري والعنيف؟.

مقابل المجتمع العربي الذي رفض “الأسرلة”، الكثير من الشرقيين منشغلين في إثبات اخلاصهم أمام الأشكنازيين- ولا يخطر في بالهم بأن يخرجوا ضد الأيديولوجية الصهيونية أو أن يتنازلوا عن الامتياز اليهودي الذي تمنحه لهم الدولة

بالإضافة الى تحويلهم لجيب معزول بسبب التمييز الصارخ، كما يكتب طوبي، يجب الإشارة الى مساهمة الأطروحة المضادة للصهيونية التي يعرضها العرب كعنصر مركزي في تطورهم الثقافي. الكثير كتب عن الطريق التي تكتسب فيها المجموعات المعرفة لكن الخطاب بشكل عام يعتمد على الادراك بأن المعرفة تكتسب على مدى أجيال، حيث يقوم كل جيل بتوريث الجيل الذي يأتي بعده بما حصل عليه وطوره. اختيار المجتمع العربي معارضة “الأسرلة” تفتح أمامه عملياً بوابة لثقافة غنية بالمعرفة بشتى المجالات: استهلاك الثقافة الجماهيرية من العالم العربي، السفر الى الاردن بهدف التعليم العالي وحتى تفضيل تقضية الوقت في الى رام الله على التعامل مع عنصرية تل أبيب وسكانها.

مقابل المجتمع العربي، الكثير من الشرقيين منشغلين في إثبات اخلاصهم أمام الأشكنازيين- ولا يخطر في بالهم بأن يخرجوا ضد الأيديولوجية الصهيونية أو أن يتنازلوا عن الامتياز اليهودي الذي تمنحه لهم الدولة (باستثناء فترة زمنية قصيرة بسنوات السبعين حين نشطت حركة “الفهود السود” والتي انقلبت سريعاً الى هوس شرقي صهيوني وقصة غرام مع حزب “الليكود”). محاولات الصهر الإسرائيلية أدت، عدا عن الحرمان الإقتصادي للشرقيين، أيضاً الى حرمان ثقافي. فالصهيونية، لأذكركم، هي أيديولوجية تسعى الى قمع أي معلم ثقافي تعود أصوله للدول غير الأوروبية التي عاش فيها القادمين قبل الهجرة الى إسرائيل. بالإمكان مناقشة المسؤولية عن ذلك: هل تنازل الشرقيون بشكل واعي عن ثقافتهم العربية أم أن ذلك كان نتاج قمع من طرف النخبة الأشكنازية. بكلا الحالتين، لا يمكن اعفاء الجمهور الشرقي وقيادته التاريخية من المسؤولية بهذا الشأن.

المجتمع العربي ليس فقط لم يتنازل عن ثقافته بل أنه مستمر في تطويرها بشكل دائم: كتاب مثل جبران خليل جبران، محمود درويش وسميح القاسم يشكلون مصادر الهام لكتاب وناشطين شباب من هنا كعلي مواسي، مجد كيال ومحمود أبو عريشه. للتلخيص، لا بد من التأكيد بأن الأشكنازيون هم ليسوا مصدر التثقف، وبأن المعرفة في المجتمع العربية لا تعتمد بشكل حصري على الحياة في ظل ال”أشكنازقراطية”. النجاح الإقتصادي والإجتماعي للأشكنازيين لا يتعلق بالسيطرة على المعرفة بل على القوة: في قدرتهم على استخدام النجاح العسكري لتعزيز مكانة معرفتهم كمعرفة عليا ومن خلال القمع العنيف لبقية الثقافات.

ناشط في “التجمع” وطالب بمجال الحكم والمجتمع في الكلية الأكاديمية تل أبيب-يافا. 

 

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.