عن الحراك ضد حملة السياحة "الفخورة"

الدولة وبلدية تل أبيب تستغل المجتمع المثلي منذ سنوات لتلميع صورتها في الخارج، ماذا حدث الآن اذاً حتى تتذكر المنظمات الاعتراض على ذلك؟ وماذا حل بمصطلح “الغسيل الوردي” بالطريق؟
تانيا روبينشطاين

 

في مؤتمر “جنس آخر” عام 2001، عقدت ندوة تحت عنوان “الهومو-قومية، الاثنية و“الغسيل الوردي”؟”، شعرت خلالها، للمرة الاولى في حياتي، بأنه يتم التعامل مع هويتي كبضاعة: للمرة الأولى كجزء من المجتمع المثلي وليس لمجرد كوني إمرأة. شاي دويتش، رئيس رابطة المثلييين آنذاك، تحدث عن كوننا مجموعة لديها قدرات كامنة للربح الاقتصادي، وكيف بإمكاننا أن نستخدم هذه الحقيقة كرافعة لحث صانعي القرار على إعطائنا هدايا ومكافئات كأن يعطونا حقوق وموارد بشكل متساوي.
في مقالة لموقع “ynet” ينتفض دويتش ضد الانتقادات الموجهه الآن نحو وزارة السياحة (برأيي، أحد المقالات المتماسكة التي كتبت حول الموضوع). ففي الأيام الأخيرة، خرجت كل منظمات المجتمع المثلي الكبيرة ضد نية وزارة السياحة استثمار 11 مليون شيكل في حملة السياحة “الفخورة”، ذلك بمناسبة شهر الفخر القريب، والتي سيكون أوجها: تذكرة طيران لأسبوع الفخر في تل أبيب على متن طيارة مزركشة بألوان فخر إسرائيلية: المنظمات تعترض على صنع الأرباح الإقتصادية والدعائية على ظهر المجتمع المثلي، رغم أن هذا لا يحصل على موارد لائقة من الدولة. الإدعاء منطقي بالمجمل، لكن عملياً، كما يبين دويتش نفسه، فوزارة السياحة تقوم تماماً بما شجعتها المنظمات على القيام به على طول الخط: حيث يتم ارسال ممثلين وممثلات من هذه المنظمات في كل عام لجولات دعائية بأنحاء العالم بإسم وزارة الخارجية ووزارة السياحة. وقد كان لهؤلاء دور في تشكيل توجه لدى المكاتب الحكومية يقول بأن عليها التركيز على السياحة الفخورة. اذاً ماذا حصل فجأة؟ لماذا الآن، بعد أن تحدث ناشطين وناشطات لسنوات عن استخدام الدولة وبلدية تل أبيب للمجتمع المثلي في البلاد كرمز لليبرالية يعزز صورتها أمام العالم ويدر الأموال الأجنبية في جيوبها، لماذا تتذكر المنظمات الآن الاعتراض على إستغلالنا؟ هل نضج المجتمع المثلي سياسياً وأخيراً، وأصبح على استعداد للاعتراف بقوته لرفض الفتات التي ترمى باتجاهه والمطالبة بالموارد التي يستحقها؟ أم هل كانت محاولة وزارة السياحة هذه المرة فظة أكثر من اللازم، وكل شيء كان ليمر بسلاسة لو أنها ارتأت استثمار جزء من هذه الأموال على الأقل في المجتمع المثلي؟.

الخطاب المستخدم للإعتراض على الخطوة الحالية لوزارة السياحة متوج بمصطلح “الغسيل الوردي” الذي اخترق فجأة وعي التيار المركزي بعد أن كان مكانه التقليدي بالخطاب الراديكالي المقصى: في طريقه الى التيار المركزي، مر “الغسيل الوردي” بمغسلة مصطلحات ليحافظ على بعض من معانيه الأصلية فقط.

أو ربما هي حقيقة تنظيم المسيرة هذا العام بالتركيز على النساء، مع العلم بأن اللواتي يقدنه هن نساء بأنفسهن أيضاً، وكما هو معروف فالنساء لسن أصحاب المصالح الربحية اللذين يجرفون الأموال خلال موسم السياحة الفخورة. النساء اليوم تشغلن أيضاً مراكز مؤثرة في معظم منظمات المجتمع المثلي- هؤلاء نساء يعين بأن خطاب الربح الاقتصادي الذي إعتمدته الرابطة برئاسة دويتش، لا يعود بالفائدة على المجتمع المثلي وأحياناً حتى يتسبب له بالأضرار: نساء يقمن ليقلن بأنه من غير الممكن بأن ترتكز رسالة المنظمات على المساواة بالحقوق وتقسيم الموارد العادلة بينما يوجد بيننا أصحاب أموال طائلة: بأنه من غير الممكن بأن نعتمد نحن، بقية المجتمع المثلي التي لا تمتلك الثروات، على إحسان هؤلاء اللذين تمكنهم قوتهم الإقتصادية من التأثير على سياسة الحكومة.

وماذا عن الإحتلال؟
الخطاب المستخدم للإعتراض على الخطوة الحالية لوزارة السياحة متوج بمصطلح “الغسيل الوردي” الذي اخترق فجأة وعي التيار المركزي بعد أن كان مكانه التقليدي بالخطاب الراديكالي المقصى: في طريقه الى التيار المركزي، مر “الغسيل الوردي” بمغسلة مصطلحات ليحافظ على بعض من معانيه الأصلية فقط. فالخطاب السائد في هذه الأيام يدور حول محاولة وزارة السياحة جني الأرباح الإقتصادية والتسويقية على حساب المجتمع المثلي الذي لا يحصل على الموارد حقاً. بينما تغيب عن هذا الخطاب كلمات مثل الاحتلال وحقوق الإنسان، وأخذ مجتمعات أخرى بعين الإعتبار كالفلسطينيين ولا سيما المثليين الفلسطينيين.
ما العلاقة بين الإحتلال والحديث عن حقوق المثليين تتسائلون؟ كما يشير فادي خوري، فالناشطات هن لسن من قررن الربط أيديلوجياً بين النضالين إنما الدولة التي تستغل الوضع الجيد نسبياً ل(جزء من)المجتمع المثلي في البلاد لكي تلمع صورتها بأنحاء العالم، ذلك مقابل الأضرار التي يتسبب فيها الإحتلال والقمع الذي تمارسه على الشعب الفلسطيني. إلا أن هذا الخطاب متطرف جداً بالنسبة للتيار المركزي المثلي. لهذا، نبقى مع نضال عنيد، مثير للإلهام وقوي لنساء قررن بأنهن لسن على استعداد لقبول اسقاطات مكاتب الحكومة وبلدية تل أبيب أكثر، وبأنهن مصممات على حقوقهن وعلى الحصول على الميزانيات، بيد أن هناك من يبقى خارج هذا الخطاب.
إلى جانب ال-11 مليون شيكل التي تستثمرها وزارة السياحة لتشجيع السياحة الفخورة، في ميزانية الدولة للعام 2016 هناك 56 مليارد شيكل تستثمرها الدولة بالأمن تذهب بمعظمها لصيانة الإحتلال- هذه أموال ليس هناك من يتجرأ بالحديث عنها. عدا عن ذلك، هناك حوالي 51 مليارد شيكل يتم استثمارها في التربية، جزء ليس قليل منها تخصص لتعزيز قيم القومجية وليس التسامح وتقبل الآخر، الرفاه، الصحة والأمن الداخلي، وكان بالإمكان استخدام جزء منها لتحسين منالية الخدمات للمجتمع المثلي.

علينا أن نأمل بأن تدر الصحوة الحالية ونضال النساء اللواتي يقدنها بثمارها وتنجح في توفير موارد ضرورية للمجتمع المثلي. لكن يبقى السؤال إن كنا سنستفيق بعد بضعة سنوات لنفهم بأنهم تحايلوا علينا مرة أخرى عندما تجاوبت الحكومة مع مطالبنا، كما تجاوبت من قبل مع مطلب المجتمع المثلي لاعتلاء موجة السياحة الفخورة، ولنجد أنفسنا في قلب التيار المركزي مع ميزانيات معتبرة لمنظماتنا التي غمغمت صرخات كل من بقوا في الخارج، لأننا ببساطة اخترنا اليوم أن نبقيهم خارج الخطاب.

ناشطة سياسية بمجالات المثلية، النسوية، معارضة الإحتلال، الهجرة من الاتحاد السوفييتي، الرفق بالحيوان وغيرها. 

 

 

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.