هذا العام كما في كل عام: لا فخر في الاحتلال!
هذا العام، كما في كل عام، مع اقتراب “مسيرة الفخر” أجد نفسي حائرة: هل المسيرة مهمة بحق أم أنها مجرد حدث آخر احتفالي وجذاب لمتعة الجمهور (وامتعاض بعض منه)؟ في كل مرة أحتار ثم أكتفي بالمشاركة بالمسيرة التي تقام في حيفا، هذه بلا شك إجتماعية، معارضة وفقيرة فلا ميزانيات لديها بالمجمل لهذا أيضاً فهي ليست بحاجة للتملق لأحد.
منذ عام 2001، مع بداية الانتفاضة الثانية، عندما مشيت مع حركة “الغسيل الأسود” بمقدمة المسيرة بينما نحن نردد شعارات لإنهاء الاحتلال ومحاربة العنصرية، لم تشهد المسيرة التل أبيبية أصوات احتجاج كثيرة. نحن بخير، يقول المثليين. يوجد لدينا حقوق. صحيح بأنه بين الفينة والأخرى تقتل أو يقتل أحد منا ولكننا بخير. أيضاً النساء حصلن عل حقوق ولكنهن يتعرضن أحياناً للقتل، الاغتصاب وما إلى ذلك. لكنني أرفض الموافقة مع ذلك والمشاركة في مشاعر الراحة التي تملكت مما يسمى لدينا “المجتمع المثلي”. الحق هو ليس انجاز. الحق يجب أن يكون مفهوماً ضمناً. حقيقة كون النساء بشر وأيضاً المثليات والمتحولات كانت معروفة دائماً. العلاقة بين هذه الحقيقة وبين حقوقنا كأبناء بشر تبدو لنا أيضاً مفهومة ضمناً. ولكن في هذه الدولة التي نعيش بها، هذه العلاقة غير مفهومة البتة. تريدون حقوق؟، تسأل الدولة وتجيب: اذاً حاربوا من أجلها. وبعد أن تحصلوا وأخيراً على بعض منها، عليكم أن تكونوا ممنونين لهذه الدولة الرائعة على نعمتها وعلى حسن نيتها الذي جعلها تتنازل و”تمنحكم” هذه الحقوق.الدولة، من جهتها، ستقوم بالطبع باستخدام هذه الانجازات كمصدر للفخر ولإثبات تنورها المثير للإعجاب.
الدولة تستخدم مسيرة الفخر ليس فقط لكي تظهر كم هي رائعة بل أيضاً لكي تستقطب السياح لعاصمة المساواة والحرية (بالإشارة إلى تل أبيب). لهذا الشيء الذي يحصل هنا يوجد مصطلح خاص بالانجليزية: “بينك-ووشينغ”، الغسيل الوردي، غسل الوردي- رمز لحقوق المثليين التي تعرض كانجازات للدولة. وماذا عن القتل؟ على من تقع مسؤوليته؟ هل تفتخر الدولة بعمليات القتل أيضاً؟ فقط للتذكير فالحديث يدور عن نفس الدولة التي لم تمنع القاتل من أن يكون حراً طليقاً في الوقت الذي اقيمت فيه مسيرة الفخر(بالإشارة الى القاتل الذي اعتدى على مسيرة الفخر في العام الماضي وكان من وراء مقتل الفتاة شيرا بانكي ابنة ال-17 عام).
لحظة، قبل أن تستمروا في القراءة- علينا أن نسأل هل هناك انجازات حقاً؟ ولمن بالتحديد؟ اذا كنتم، ولنقل، زوج من روسيا وتريدون العيش هنا، حتى لو تمتع أحدكم بالحق للقيام بذلك حسب “قانون العودة”، لن يسعف ذلك شريكه أو شريكته. اذا كنتم فلسطينيين مواطني الدولة وشريككم أو شريكتكم من سكان الأراضي المحتلة فلن يسعفكم شيء (وصحيح، هذا يسري أيضاً على المغايرين وليس فقط على المثليين). لهذا، عندما نتحدث عن انجازات من المهم بأن نتفحصها جيداً وبأن نرى من يؤخذ بالحسبان ومن يبقى بالخارج. على فكرة، حتى لو كانت هناك انجازات، فالدولة لا تمتلك أي حق لتتفاخر بها. هذه انجازاتنا التي حققناها بنضالات صعبة ومستمرة لم تنتهي بعد كما ذكرت.
لا حرية ولا تحرر ما دمنا نقتل خلال المسيرة: لا حرية ولا تحرر ما دام أصدقائنا وصديقاتنا الفلسطينيين يعانون من القمع والعنصرية كل يوم. اذا كان هناك من يريد أن يشعر بأنه جزء من الدولة- فهنيئاً له. لا حاجة لي بذلك. أنا اعارض هذه الدولة بكل ما اوتيت من قوة، ولا أريد بأن تحتفل على حساب الحقوق التي حاربنا من أجلها “بالدم والعرق والدموع” والتي ربطناها دائماً- ليس جميعنا ولكن بالتأكيد الأغلبية من اللواتي ناضلن من أجل حقوق المثليات- بالنضال من أجل العدل والحقوق للفلسطينيات والفلسطينيين. في احد النضالات نجحنا (قليلاً) وفي الآخر فشلنا.
لمن تشعرن بواجب أو متعة للمشاركة في المسيرة، أناديكن لرفع لافتات تحمل شعار “لا فخر في الاحتلال”. لن نترك الدولة في شأنها حتى تسمح لنا جميعاً في المجتمع المثلي بالحصول على حقوق متساوية، حتى تحرر الفلسطينيين والفلسطينيات من سيطرتها وتحارب العنصرية بكل قوتها. حتى ذلك اليوم، القادم لا محال، هذه الدولة ليست لي وأنا لست لها.
ناشطة نسوية ومثلية، من مؤسسات “نساء بالأسود”، تدرس وتبحث بمواضيع النسوية والجندر في مركز البحث النسوي في جمعية “امرأة لامرأة” في حيفا.