قصتي مع يافا- it's complicated!

ليزا غولدمان انتقلت من تل أبيب إلى يافا لتكتشف بأن صاحب البيت اليهودي سعيد بالمساهمة “للتوازن الديمغرافي” وبأن الاسئلة الطبقية تشحن التوتر القومي هي الأخرى. “الأمر الوحيد الذي لم أتوقعه بأن أشعر كمستوطنة كولونيالية ولكن هذا ما أِشعر به بالضبط.”
ليزا غولدمان

 

في الربيع الماضي انتقلت للعيش في بناية مختلطة، عربية – يهودية، في يافا حيث وجدت مفر من أجور البيوت المستحيلة في تل أبيب. مقابل مبلغ أقل بحوالي الألف شيكل من ذلك الذي دفعته لقاء شقتي السابقة في تل أبيب (ثقب بائس في شارع صاخب)، استأجرت شقة أكبر بكثير في يافا مع شرفة مظللة تحت شجرة وهواء منعش قادم من البحر. سوق العتق على بعد دقيقتين، المطاعم في المنطقة ممتازة وهناك أيضاً بعض المعارض الفنية الرائعة في الميناء المجدد.

عندما ذهبت لتوقيع عقد الايجار مع صاحب البيت الجديد- رجل أشكنازي علماني ومتقدم بالسن ولد في تل أبيب قبل أكثر من 70 عام- سألني لماذا أرغب في الانتقال الى يافا أصلاً. سؤال غريب، فكرت في نفسي. هل يعتقد بأن الشقة التي يقوم بتأجيرها ليست صالحة للسكن؟ ولأن اعتباراتي المالية لا تعنيه، قلت له بأنني أرغب بالسكن بالقرب من البحر وبأن لي أصدقاء في يافا.

“أصدقاء يهود؟”، سأل.

“نعم”، أجبته. “يهود”.

نظر الي نظرة متفحصة ثم قال: “من الجيد بأن شباب مثقفين مثلك ينتقلون للسكن بيافا”.

“لماذا؟”، سألته.

“لكي لا يسيطر العرب على يافا”، أجاب.

في وقت لاحق سمعت من يوسي، رئيس اللجنة في البناية التي انتقلت للسكن فيها بأن صاحب البيت كان قد أخذه جانباً وأقسم أمامه بأنه لن يأجر الشقة لعرب. “اعتقد بأنني عنصري مثله بالضبط”، قال لي يوسي، عضو ادارة في منظمة يسارية والذي يؤيد تحويل إسرائيل لدولة ثنائية القومية- للعرب واليهود.

بعد ذلك بشهر، وخلال تواجدي في خارج البلاد، قام صاحب البيت بتعليق “ميزوزاه” على باب شقتي- دون أن يحصل على موافقتي. من الواضح بأنه كان من المهم بنظره بأن يعرف الناس بأن الشقة “يهودية”(!).

لست صديقة “الديلر”

في المقابل، الاصدقاء اللذين جاؤوا لزيارتي بين الفينة والأخرى من تل أبيب تصرفوا بطريقة غريبة. بينما كانوا ينظرون بعصبية لكلمات “الشهادة” التي تزين باب جارتي (المسلمة)، سألوني إن كنت أشعر بالأمان في هذه البناية. “هل تتحدثين مع الجيران؟”، كان أحد اسئلتهم الأخرى.

يافا جعلت تفكيري أكثر راديكالية. أنا أفكر بالسياسة عندما أمر في حي العجمي حيث يسكن يهود في بيوت جديدة بتكلفة ملايين الدولارات مع مواقف تحت أرضية لسياراتهم إلى جانب حي فقر يسكن فيه العرب

“طبعاً، ولما لا أتحدث مع جيراني”، كنت أجيب مستفزة. وهذه كانت الحقيقة. سميرة التي تعمل في مطعم حمص تقدم لي الكعك والابتسامات العطوفة: أما خليل الذي يعمل ميكانيكياً فعادةً ما يتضح بأن لديه ابن عم يستطيع تصليح أي شيء كان. أنا أتحدث حتى مع “الديلر” (تاجر المخدرات) عبد الذي يسكن في الطابق السفلي ولو أنه نادراً ما يجيبني. ولكن على الرغم من المحادثات مع الجيران فنحن لم نصبح أصدقاء، والأسباب لذلك طبقية- القضية السياسية تأتي بالمرتبة الثانية. عندما جاء صديقي عيسى- فلسطيني إسرائيلي مسيحي يتقن ثلاث لغات ويدرس للقب الثاني في جامعة تل أبيب- لزيارتي، قال لي ضاحكاً: “يبدو بأنك قررتي أن تصبحي بوهيمية تماماً”. لم يكن ليخطر في باله بأن يسكن في بنايتي القذرة وغير المرممة على سكانها أبناء طبقة العمال.

فقط بعد أن انتقلت إلى يافا اكتشفت بأن العرب من أبناء الطبقات الوسطى والعليا، أصحاب المهن الحرة (الأكاديميا، المحاماة، الصحافة والطب) لا يسكنون هنا عامةً. باستثناء مجموعة صغيرة تأخذ من “مقهى يافا” مقراً لها فالفلسطينيين الإسرائيليين المثقفين يعيشون في “نافيه شالوم”، الناصرة، حيفا والرملة. عرب يافا بغالبيتهم فقراء وحتى فقراء جداً، وكما قال لي صحافي من الناصرة فهم أيضاً منقعطون إلى درجة كبيرة عن بقية العرب في دولة إسرائيل: لا توجد دكاكين كتب عربية في يافا، لا توجد سينما تعرض أفلام بالعربية، لا توجد نشاطات ثقافية تذكر كما لا توجد اذاعة محلية تنطق بالعربية.

بين العجمي و”غالي تساهل”

مؤخراً، هناك يهود تربطهم علاقات باليمين بدؤوا بالانتقال إلى يافا بهدف معلن ل”تهويدها”. طلاب المدارس الدينية يدرسون هنا لمدة عام- بين تخرجهم من الثانوية وانتقالهم للخدمة العسكرية، أما البنات فيؤدون خدمتهم المدنية بالمدرسة الثانوية المحلية، يدرسن اليهودية في مدرسة 45% من طلابها عرب. في أيام السبت يقومون بتنظيم مظاهرات صاخبة وتحريضية، يلوحون بأعلام إسرائيل، يغنون أغاني قومية ويرقصون في حلقات بالشوارع. قبل أسبوعين قامت مجموعة كبيرة منهم بالتجمع مقابل المسجد في “جادة يروشليم” (شارع النزهة) تماماً مع انتهاء صلاة المغرب، مرددين شعار “محمد خنزير” كما جاء على لسان شهود كانوا في المكان. كان على الشرطة ان تفصل بين الفتية اليهود والعرب، وكما قال احد النشطاء في الحي، كان من الممكن بأن ينتهي الأمر بمذبحة بكل سهولة.

بدرجة معينة، يافا جعلت تفكيري أكثر راديكالية. أنا أفكر بالسياسة عندما أمر في حي العجمي حيث يسكن يهود في بيوت جديدة بتكلفة ملايين الدولارات مع مواقف تحت أرضية لسياراتهم إلى جانب حي فقر يسكن فيه العرب: أفكر في ذلك عندما أنظر للمقبرة الإسلامية المهدومة التي تتواجد على مسافة قريبة بجانب “مركز بيريس للسلام” الذي بني هنا: أفكر بذلك عندما أرى كيف تم ترصيف الشارع المحاذي لمحطة “غالي تساهل” (اذاعة الجيش) كله خلال شهرين بينما الشارع القريب الذي يسكن فيه عرب بالأساس بقي محفوراً ومقلوباً رأساً على عقب لمدة تسعة شهور: أفكر في ذلك عندما أرى رجال “اليسام” (القوات الخاصة للشرطة) يتجولون في يافا ويستوقفون السكان العرب بشكل عشوائي ليطلبوا منهم اظهار بطاقات الهوية.

أنا أسكن في يافا رغم كل الصعوبات. الأمر الوحيد الذي لم أتوقعه بأن أشعر كمستوطنة كولونيالية ولكن هذا ما أِشعر به بالضبط.

صحافية مستقلة، صاحبة مدونة ومن مؤسسي ” 972Magazine+ “.

*نشرت المقالة للمرة الأولى في موقع "اللسعة" العبري بتاريخ 30.01.2011.
التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.