قضية الاولاد اليمنيين المختطفين: العائلات تحمل الحقيقة

بالأشهر الأخيرة تنجح قضية الاولاد اليمنيين المختطفين بقطف العناوين بفضل نشاط جمعية “عمرام” التي قررت المباشرة بجمع الشهادات ووضع رواية العائلات بالمركز. حديث مع الناشط توم مهاجر حول وابل الشهادات وصمت منظمات اليسار حيال القضية- وأيضاً حول العناوين الرئيسية لجريدة “هآرتس”.
تامي ريكلس

 

في السنوات الأخيرة وفي أعقاب المقالات الكثيرة التي قمنا بنشرها هنا حول قضية الاولاد اليمنيين المختطفين تصلنا كل بضعة أسابيع ردود فعل مؤلمة، نداءات للمساعدة، وقصص تكشف عن الاساليب المنهجية التي اعتمدت بكثير من الحالات. الآن، هناك عنوان، وأخيراً، وأنا أفترض بأن بعض هذه التوجهات وصلت الى “عمرام”- جمعية صغيرة نجحت مؤخراً بإحداث هزة على مستوى الوعي في كل ما يتعلق بقضية اولاد اليمن، الشرق والبلقان بعد أن اقامت أرشيف شهادات يشتمل على أكثر من 350 قصة لعائلات اختطف ابنائها. “يسعى الأرشيف الى التعريف بالقضية وبالشهادات التي اسكتت حتى الآن- بشكل مباشر ودون وساطة مؤسساتية”، يكتب أعضاء الجمعية. “نأمل بأن يساعد العائلات والمختطفين على ايجاد اقربائهم.. نحن نؤمن بأنه فقط عن طريق كشف الشهادات أمام الجمهور، وعن طريق الضغط الجماهيري، سنصل الى الاعتراف بالظلم الذي وقع على الضحايا”.

في أعقاب النشاط الجماهيري لجمعية “عمرام” لم تبق أي وسيلة اعلام لم تتعاطى مع الجوانب المختلفة للقضية- بعضها بتعاطف وبعضها بتشكيك. “عمرام” تحفر في الجرح المفتوح الذي حاولوا دفنه بواسطة لجان تحقيق متقاعسة ومستندات سرية- ولكنهم لم ينجحوا. مع السنوات قام باحثون مستقلون، مبدعون وأيضاً جزء من وسائل الاعلام بالتعاطي مع القضية واكتشفوا المزيد والمزيد من التفاصيل التي تجتمع لتوثق فصلاً مروعاً من التاريخ. في هذه الايام تتواجد الجمعية بأوج حملة “headstart” لمواصلة وتوسيع نشاطها، بالإمكان متابعتها عن قرب عبر المسلسل الجديد والناجح الذي يبث عبر الانترنت “الأنبياء- حملة عمرام” والذي ينتجه كل من العاد بن الول ويوسي براومان.

نحن نبني تاريخاً بديلاً تم اسكاته لسنوات، نحكي قصة هؤلاء الناس- وبالنسبة للكثير منهم هذه هي آخر فرصة لحكاية قصتهم  مع الأخذ بعين الاعتبار سنهم المتقدم.

على خلفية هذه التطورات قررت التحدث قليلاً الى الصديق والناشط في الجمعية توم مهاجر الذي يكتب لموقعنا بشكل ثابت. عندما اتصلت به شاركني مباشرةً بإحدى القصص: “بالأمس كنت لدى هداسا داننبيرغ التي تسكن في حيفا والتي انجبت في شبابها توأماً، وعلى الرغم من ان التوأم كان معافى طلبوا منها ابقاء احدى البنات في المستشفى بسبب “وضعها الصحي”. كانت تذهب الى هناك مرة باليوم لتضخ الحليب وتبقيه لها في زجاجة. بأحد الأيام، ودون سابق انذار، طرق شرطي بابها وابلغها بأن الطفلة توفيت. قالت كيف توفيت، اروني الجثة، ولكن لم يكن هناك من يسمع. هكذا ببساطة. جنون”. مهاجر قام بتوثيق شهادتها بالصور والفيديو لتنضم الى مجمع الشهادات على موقع “عمرام” الالكتروني. كما يحدثنا مهاجر فالتوجهات لا تتوقف عن التدفق من كل أنحاء البلاد عبر الفيسبوك، البريد الالكتروني والتلفون. “هناك الكثير من الغضب. هذة من نوعية المواضيع التي تكتم وفجأة تصبح هناك شرعية للحديث عنها وأناس يصغون ويهتمون بحق. نحن نضع العائلات في المركز وهذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها ذلك”.

“عمرام” انطلقت من حيفا بعد وفاة الراب عوزي مشولام في 21 حزيران 2013، الشخصية التي قادت النضال بسنوات التسعين والتي يتذكرها الكثيرون منا- تحت رعاية الاعلام الإسرائيلي- كشخصية سخيفة وواهية. “النشاط الاول الذي شاركت به للجمعية كان قبل ثلاث سنوات بيوم الوعي والذكرى لاختطاف الاولاد والذي نحييه في يوم وفاة الراب مشولام”، يقول مهاجر. ” كان من المفترض بأن يكون حدثاً صغيراً في مركز جمعية “ايشاه لايشاه” في حيفا عمم شفهياً من شخص الى شخص لهذا فقد تفاجئنا عندما رأينا عائلات كاملة تحضر لتشارك.”

كيف قررتم عملياً التركيز على الشهادات وإقامة الارشيف كقاعدة للنضال؟

منذ بدايات الجمعية كان هناك قراراً واعياً لوضع الشهادات في المركز. هذا أمر مباشر جداً- لدينا هنا عائلات نصدقها، امهات وآباء، اخوة واخوات. نحن نبني تاريخاً بديلاً تم اسكاته لسنوات، نحكي قصة هؤلاء الناس- وبالنسبة للكثير منهم هذه هي آخر فرصة لحكاية قصتهم  مع الأخذ بعين الاعتبار سنهم المتقدم. وجهة النظر حول القضية وتأطيرها يتم من قبل العائلات وليس العكس- هم ليسوا مجرد ملاحظة هامشية بالوثائق البيروقراطية. نحن غير معنيين باستنساخ توجه الحكم الذي يقول بأنهم “يتوهمون” وبأن كلامهم “خالي من المصداقية”، لا نريد أن نكرر هذة الغلطة ولا ان ندخل في حالة من الدفاع عن النفس بل فقط ان نعلن بأن “هذه الشهادة صحيحة، هذه الحقيقة! تحدثت مع هذه المرأة والتي حكت لي ماذا حصل في المستشفى وأنا أصدقها”.

من المدهش بأن نفكر بأنه كان هنا في هذه الدولة أناس مثل الراب عوزي مشولام والذي تحصن في مبنى مع أناس مسلحين للنضال من أجل الاعتراف بالقضية وبأن أحدهم قتل نتيجة لذلك (شلومو اسولين) ومع ذلك لم يتحرك أحد بالحكم ويقل تعالوا لنفحص هذه القصة، تعالوا نسأل العائلات ونجمع الشهادات بشكل منظم. يوجد هنا انكار جارف وممنهج على مدى السنوات. لقد بنينا شيئاً جديداً بهذا المعنى، قمنا باختراق الخطاب العام الذي بات يركز فجأة على ما تقوله العائلات.

يبدو ذلك كعمل مرهق نفسياً وغير سهل بأن تسمعوا شهادات، واحدة تلو الأخرى، لعائلات لازمتها قصة ابنائها الذين اختفوا لمدى الحياة. كيف يؤثر ذلك عليكم؟

عندما أقابل النساء المسنات اتذكر جدتي والتي كنت أريد ان أحميها وأن أحكي قصتها. سماع هذه القصص يثير الرعب في النفوس ولكننا، من جهة أخرى، نأتي من مكان قوي لأناس يديرون نضالاً، الحديث ليس عن عاطفة فقط. تفاجئنا كثيراً من الكميات- لم نتوقع بأن يصلنا هذا العدد من التوجهات، القصة صاعقة أكثر مما تصورنا. الناس سمعت وتحدثت عن القصة عن اقتناع ذاتي عميق وإطلاع على أصغر التفاصيل ولكن ذلك كان في البيت، داخل العائلة، ولم يخرج الى الحيز العام. الحلبة الجماهيرية في إسرائيل- اليمين واليسار ومنظمات حقوق الانسان- لم تقترب من القضية. بفضل “عمرام” وبفضل الخطاب الذي تطور أصبحت هناك مجموعة فجأة، أصبح هناك مكان للحديث، والناس لم تعد تحكي القصة لنفسها انما تخرجها للجمهور. عدا عن ذلك، من المهم ان نذكر بأن الجمعية تلقت بضعة عشرات من التوجهات من قبل اشخاص ارسلوا بأنفسهم للتبني ولكن هذه الشهادات ما زالت اولية ولا نستطيع الكشف عن تفاصيلها بهذه المرحلة.

هناك آفاق أخرى للنشاط عدا عن اقامة مجمع الشهادات- اللجنة التي أقيمت في الكنيست، النضال من أجل فتح الأراشيف وكشف المستندات السرية. ماذا بإمكاننا أن نتوقع من هذه برأيكم؟

tom
نشطاء “عمرام” ومن ضمنهم توم مهاجر في مقابلة مع احدى العائلات

هذا نشاط هام ومبارك بالطبع ولكن يجب أن نتذكر بأن لجان التحقيق الثلاث التي اقيمت حتى الآن اديرت منذ البداية بشكل موجه لتشكك بالعائلات وتخرج المؤسسة نظيفة. من جهة أخرى، كشف المستندات السرية مهم جداً على المستوى الجماهيري- قد تكون هناك شهادات أخرى لممثلين رسميين بالإمكان ان نتعلم منها المزيد، قد تكون هناك معطيات أخرى حول عمليات التبني. ولكن بالنسبة لنا المهم الآن هو المعرفة والرواية التي تصيغها العائلات.

ما الأمر الأهم من ناحيتكم في النضال مقابل المؤسسة؟ هل تسعون للحصول على اعتراف من الدولة؟ أم بأن تقوم المؤسسة باستقصاء الحقيقة؟ وربما تقدم التعويضات أيضاً؟

الهدف بالدرجة الاولى هو الاعتراف- بأن تفسح المؤسسة للقضية مكاناً، مثلاُ بواسطة احياء يوم ذكرى، او اعتذار للراب مشولام ولكل المجموعات المتضررة، بأن يتطرق جهاز التربية للموضوع من خلال المنهاج التعليمي. نحن نريد بأن يكون هناك تعاطي مؤسساتي مع الموضوع وبأن تكون نقطة الانطلاق بأنه- نعم، كانت هناك جريمة اثنية بحق هذه المجموعات وهناك حاجة لإجراء اصلاح تاريخي. بالإمكان أيضاً مطالبة المؤسسة بأن تتجند لموضوع لم شمل العائلات، وبأن تساعد في تحديد مكان الاولاد الذين ارسلوا للتبني. نحن نعرف بأن كل الاولاد اختفوا بصلة مع السلطات وعليه فعبء التفسير للجمهور ماذا حصل هنا عملياً يقع على المؤسسة أولاً- العائلات تقول لنا ماذا حدث حتى اللحظة التي اختفى فيها الاولاد، من هناك على المؤسسة ان تستخدم معلوماتها لسد الفجوات ومساعدة العائلات في بحثها.

هل كنتم تريدون التحدث مع الجانب الآخر- مع المسؤولين؟ كأن تستجوبوا أطباء وممرضات، عائلات قامت بالتبني او اناس كانوا شاهدين على الاحداث ولكن ليس كضحايا؟

كانت هناك عدة محاولات في الماضي. هناك مثلاُ الممرضة ماشا كبلان التي أغلقت الهاتف بالفيلم الوثائقي “في طريق باتجاهين” وقالت بأنها غير معنية بالحديث. هذه مسألة معقدة وأعتقد بأن التحدي الآن هو العائلات نفسها.

ما الردود التي تحصلون عليها عدا عن تلك الداعمة؟

هناك ردود ليست الا مزيج من الاستهانة والكراهية، كالأمور التي كتبها البعض بلسان متعجرفة خلال اسبوع الوعي الأخير. هذه تجعلني أتسائل من أين كل قلة الاحترام هذه التي تخرج عن أناس يشككون بكل قصة الاختطاف، ولماذا يصدقون ولد اشكنازي يحاول النيابة والدفاع عن جده ولكن ليس سيدة بالغة كانت هناك بنفسها. لكن الرد الأكثر شيوعاً بالطبع هو ذلك الذي يدعي بأنه كان هناك عدم نظام (في حينه)، نحن نسمي ذلك “فرضية الفوضى”. نحن نتعامل مع ادعاءات من هذا النوع بواسطة اظهار المنهجية التي تشير لها شهادات ممثلي المؤسسة، أناس الوكالة اليهودية والممرضات، مقابل شهادات العائلات. مثلاً، فيما يتعلق بنقل اولاد أصحاء قيل لأهاليهم بأنهم مرضى، قالت اهوفا جولدفيرب، مراقبة الخدمات الاجتماعية بالوكالة، للجنة التحقيق الرسمية:”كان هناك اولاد ارسلوا خارج المعسكرات دون اجراء التسجيلات اللازمة، وقد كان ذلك منهجياً بدرجة كبيرة”. كما أنها اعترفت بأن الجواب على سؤال الاهالي حول مصير الاولاد كان بأنهم “لم يعودوا بين الأحياء”. وهي ليست الوحيدة. كل مجرم يبحث عن طريقة للتهرب ولمنطقة الماضي. أسهل شيء هو القول بأنه كانت فوضى فمن الصعب على الناس مواجهة الحقيقة- بأنه كانت هنا عنصرية كريهة بهذا الشكل. هذا يهدد رؤية من يعرفون أنفسهم ك”متنورين”، عندما يقوم شخص فجأة بتشويش نظرتهم حول الاوضاع الحسنة التي كانت هنا عندما هيمن اليسار.

كيف حصل بأن احداً في السياسة او في منظمات حقوق الانسان لم يأخذ على عاتقه حتى الآن البحث في القضية؟

أيضاً بهذه المسألة بطننا مليئة على اليسار في البلاد فليس من المفروض بأن نطلق حملة ال”headstart” هذه من الأساس: هناك منظمات حقوق انسان في إسرائيل، وأنا نفسي كنت ناشطاً فيها لمدة 12 سنة، وهي تقوم بعمل جيد- ولكن كيف لم يخطر ببالها بأن تعالج هذه القضية؟ بأن تخصص وظيفة واحدة للموضوع؟ من ناحية الاجندة والتفويض لم تأخذ أي من المنظمات هذه المسألة بعين الاعتبار باستثناء التعاون مع “أطباء لحقوق الانسان” ولو أنه غير كافي. هذه قصة اليسار مع الشرقيين باقتضاب.

كيف تفسر الاهتمام الاعلامي المتزايد الآن؟

أصبحت هناك كتلة حاسمة من النشاط، المجموعات نفسها انتظرت ذلك ولديها دعم من الميدان، من الناس. الاعلام قام بالانضمام. الخطاب الشرقي احتل مكاناً على المستوى الجماهيري الاسرائيلي بالسنوات الأخيرة ونحن جزء من ذلك بالطبع. لا توجد هرمية برأيي- النضال الشرقي يعمل من خلال كذا قناة بنفس الوقت، وقد يكون ذلك نضال “القوس الشرقي الديمقراطي” على الأراضي، تقرير بيطون، التمثيل بالجامعات او غيرها من القضايا.

نهايةً لا يمكن ألا نتطرق للعنوان الرئيسي لصحيفة “هآرتس” حول اختطاف الاولاد الاشكناز والذي أثار الكثير من الردود الغاضبة- ومن ضمنها تلك التي اعتبرت هذه محاولة لتمويه الحقيقة وللادعاء بأن الحديث ليس عن جريمة على خلفية اثنية، وبأن القصة نشرت كاستقصاء وكعنوان رئيسي مع ان الامور معروفة من ذي قبل وليست جديدة، وبأن ذلك خلق تنافساً على الالم.

أعتقد بأن هناك محفز منهجي لتمويه الالوان ليس فقط بهذه القضية انما عامةً- للادعاء كل الوقت بأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل اشكناز وشرقيين اليوم. أيضاً في هذا التقرير من الواضح بأن الرسالة هي بأن حقيقة وجود اولاد اشكناز مختطفين، الامر الذي لم ننكره وتطرقنا له حتى عبر موقعنا، تثبت بأن الاختطاف لم يكن عل خلفية عنصرية- اثنية. لكن الارقام تثبت بشكل قاطع بأن غالبية الاولاد المختطفين كانوا ابناء عائلات شرقية، ومن ضمن هذه المجموعة غالبيتهم كانوا من اليمنيين. هذا يثير السخط فبدل كتابة الامور بطريقة مباشرة، هناك شعور بالتلاعب والتضليل.

أجرت المقابلة تامي ريكلس محررة موقع “اللسعة” باللغة العبرية.

لموقع جمعية “عمرام”

للتبرع لحملة ال”headstart”

المزيد:

“تذكرت انها حملت بين يديها طفلاً معافى ووسيم”.

ما وراء ال-322 صفحة لتقرير لجنة التحقيق الرسمية.

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.