كيف يمكننا أن نتصور يافا دون الأذان!

القانون الذي يعمل اليمين على تمريره لمنع رفع الأذان في المساجد لم يكن ليعرض على الوزراء لو أنه لا يحظى بموافقة جماهيرية واسعة: الحديث عن خطوة أخرى لخلق الأجواء الاجتماعية اللازمة للتقدم باتجاه الترانسفير للمجتمع العربي.
عبد أبو شحادة

 

كما عودنا اليمين الاسرائيلي بالأعوام الأخيرة، أيضاً في هذا العام وصلت أصوات الأذان الى الكنيست. في المرة الماضية كانت تلك عضوة الكنيست سابقاً انستاسيا ميخائيلي من “اسرائيل بيتنا” أما هذه المرة فموطي يوجف من “البيت اليهودي” هو من يدفع منذ بداية الدورة الحالية لتشريع “قانون الأذان”. تمت المصادقة على اقتراح القانون الأخير في لجنة الوزراء رغم لسانه الفظ والخطير الذي لا يترك أي مجال للتخيل: “… سيمنع استخدام مكبرات الصوت في اماكن العبادة لنداء المصلين او لتمرير رسائل دينية او قومية وأقوال تحريضية كما يجري في بعض الأحيان”. يوجف هو نفسه عضو الكنيست الذي يهتم بالمصلحة العامة لدرجة أنه اقترح من قبل الصعود على محكمة العدل العليا ببولدوزر، فمن قال بأن المواطنين بحاجة لحماية من البطش السلطوي عندما يكون البيت اليهودي في الحكم(!).

لكن لنضع السخرية جانباً لبعض الوقت. كثيراً ما سمعنا تصريحات أعضاء الكنيست من “البيت اليهودي” وصدمنا من مستوى الجهل والوحشية الذي يميز هذا الحزب: من بتساليل سموطريتش الذي لا يصدق بأن هناك عربي واحد نجح في اجتياز امتحان “البسيخومتري” حتى رئيس الحزب، وزير التربية نفتالي بنيت، الذي افتخر بقتل العرب خلال خدمته العسكرية. تسهل علينا الاشارة بشكل اوتوماتيكي الى تبلد اليمين الاسرائيلي عامةً ولكن “قانون الأذان” لم يكن ليعرض على الوزراء لو أنه لا يحظى بموافقة جماهيرية واسعة كجزء من المحاولة المستمرة للمجتمع الاسرائيلي لهندسة الحيز العام وفقاً لهويته وعلى شاكلته، او كما يقول يوجف من أجل “جودة حياة مواطني الدولة” (على الرغم من أنه، كرجل جيش، يعرف بالطبع بأن الاحتجاجات الواسعة ضد القانون ستنتشر من شمالي البلاد حتى جنوبها، وبأن هذه ستمس ب”جودة حياة” الجمهور). وعليه، فالدافع المركزي من وراء هذا القانون هو شعور مواطني الدولة اليهود بالفوقية مع العلم بأن المعالم الدينية الوحيدة المقبولة عليهم هي تلك المتعلقة بالدين اليهودي.

الحديث عن اجماع اسرائيلي ينطوي على تعاون بين اليمين واليسار، والجهتان مدفوعتان بدوافع عنصرية تغطى بشعارات حول “جودة الحياة”.

الامر الذي يدهش المجتمع العربي في هذا الخطاب ليس بأنه لم يخطر في بالنا بأن يقوم أحد بذلك انما بأن الفكرة برمتها غريبة علينا تماماً: فعلى المستوى اليافاوي، مثلاً، نجد في احياء النزهة والعجمي وجباليا العربية نسيجاً اجتماعياً عربياً يشمل مسلمين وكذلك مسيحيين، وليس بإمكاننا ان نتصور يافا دون الأذان او دون أصوات الأجراس الصادرة عن الكنائس، فكم بالحري اسكات الشعائر الدينية لمجموعة أخرى. نداء المؤذن او اصوات الأجراس في الوعي العربي ليست أفعالاً سياسية ولا تعتبر كذلك بل تعتبر كجزء لا يتجزأ من هويتنا وهوية مدينتنا.

المرة الاولى التي طرحت فيها الفكرة على الأجندة كانت عندما دخل يهود من طبقات عليا الى الأحياء العربية في يافا، مثل أندروميدا. عندها اكتشفنا بأن السكان الجدد الذين يمرون بجانب الجوامع والكنائس ويطلقون الشعارات الجميلة والعظات حول التعايش وتعدد الثقافات لديهم الكثير من الشكاوى ضد أماكن العبادة والتي تتجاهل بشكل تام المشاعر الدينية والثقافية للسكان القدامى. هؤلاء ينظرون الى الإستطباق (gentrification) في الأحياء العربية كفعل ايجابي ولا يفهمون العدوانية التي ينطوي عليها.

نظرة المحتل هذه تقف في مركز تصرفات المجتمع الاسرائيلي. نستطيع ان نكتب المقالات والكتب التي تعرض التبريرات الدينية والثقافية المتعلقة بالأذان ولكن المحتلين سيفسرون هذه دائماً على أنها عصيان. هم يسمعون المؤذن ويصدقون في صميم قلوبهم بأنه يتحدث ضدهم باللغة التي تربوا على كراهيتها. أما الجنود من بينهم فيتذكرون ايام خدمتهم العسكرية ولا يعرفون ماذا يفعلون مع التناقض الذي يثيره بهم لأن عالمهم ينقسم بين من يقوم بالاحتلال ومن يخضع للاحتلال والفلسطينيون في اسرائيل يزعزعون هذا المنطق. عملياً، هذا التصرف الذي تتم ترجمته ل”قانون الأذان” يسعى الى اجبارنا على تغيير عاداتنا لكي يسهلوا على أنفسهم، فيزيائياً ونفسياً، تعريف حيزهم العام. اذا كنت قد ادعيت في الماضي بأن تصرفاً من هذا النوع يدل على عمق الإستطباق الحاصل، فالآن أنا أدعي بأن الحديث عما هو أخطر من ذلك: الحديث عن خطوة أخرى لخلق الأجواء الاجتماعية اللازمة للتقدم باتجاه الترانسفير للمجتمع العربي.

اذا كانت هذه هي الحال، فأنا لا اقبل الادعاء بأن من يقود هذه الخطوة هو اليمين الاسرائيلي. الحديث عن اجماع اسرائيلي ينطوي على تعاون بين اليمين واليسار، والجهتان مدفوعتان بدوافع عنصرية تغطى بشعارات حول “جودة الحياة”. في حال مر “قانون الأذان” سنشاهد الشرطيين الاوائل وهم يدوسون أرضية المسجد لتفكيك مكبرات الصوت في المكان. خطوة من هذا النوع ستجر ردود فعل شديدة وغير متوقعة، عصر جديد للعلاقات بين العرب واليهود. كان بودي ان انهي بجملة متفائلة كأن أقول بأنني لا أصدق بأن أعضاء الكنيست الاسرائيليين أغبياء لدرجة أن يصوتوا لصالح هذا القانون- ولكن مع انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة تعلمت بأن كل شيء ممكن!.

طالب حكم ومجتمع في الكلية الأكاديمية تل أبيب-يافا.

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.