هل نسي المجتمع المثلي ماذا يعني القمع؟

على ما يبدو، فقد نسينا ماذا يعني بأن يكون الانسان مقموعاً ومستضعفاً. حصلنا على الكثير من الحقوق، “أكثر من اللازم”، بالعشرين سنة الأخيرة حتى نسينا ماذا شعرنا عندما قام شرطيون بضربنا فكيف سنتذكر العنف الشرطي الذي يتعرض له الفلسطينيين والأثيوبيين؟
سبير سلوتسكر-عمران

 

النضالات التي أنشط بها غالباً ما تكون شعبية نسبياً وسط الجمهور الواسع. هذة خانة من المريح البقاء بها، ومن المريح أيضاً الحصول على المحبة والدعم التي تجلبها معها. الناس تؤيد بدرجة معينة النضال ضد تصدير الغاز، العمل ضد العنف الشرطي والعنصرية، منع قطع الكهرباء عن الفقراء، حقوق المثليين، الاسكان الجماهيري، “جفعات عمال”، النضال من أجل اطلاق سراح يونتان هيلو وغيرها من النضالات التي شاركت بها بهذة الصورة أو تلك.

“الاحتلال” هو أكثر كلمة رديئة من بين كل الكلمات باللغة العبرية، وقد تكون كثر كلمة مكروهه. بجيل 21 سافرت إلى برلين برفقة وفد من شباب “ميرتس”، شباب “العمل” وشباب “فتح”- وهو عملياً الوفد الذي انضممت بسببه ل”ميرتس”، فيما كان من ناحيتي كرحلة مجانية إلى برلين. أذكر بأنني اتصلت بصديقي الذي أدار كل هذا المشروع وقلت له: “يا روحي، كله حسن وجميل، وأنا أتفق معكم بالمسألة الاجتماعية ولكن بالناحية الأمنية فأنتم متطرفون جداً برأيي، أنا لست هناك. أطلب بأن لا يتحدثوا معي عن الاحتلال وأنا عن نفسي لن أنطق كلمة احتلال وهذا هو.”

ليتني لم أعرف أو أفكر بأن هناك احتلال، بأن هناك شعب كامل يقبع تحت القمع والإذلال. لكنني التقيت في اطار هذا الوفد بساره، صبية فلسطينية مثالية بسني، وتحدثنا عن الشباب والصبايا وأمور مختلفة تتحدث عنها الصبايا بسننا، لكن على الرغم من ذلك فقد تحدثنا في نهاية المطاف أيضاً عن الحواجز التي تضطر لاجتيازها في طريقها إلى الجامعة، وعن التجارب المهينة التي مرت بها. لم أصدق ولم أرد أن أصدق ولكن في مرحلة معينة فتحت عيني ولم استطع اعادة اغلاقها.

في سن 5 سنوات فهت بأنني مثلية، كان ذلك عندما وقعت في حب ميخال يناي التي تحولت، لأسفي الشدي،د لنموذج جمال المرأة بنظري. بسن 16 أو 17 مشيت وأنا امسك بيد صاحبتي الاولى في تل أبيب عندما اوقفت امرأة مسنة سيارتها بجانبنا وبصقت علينا، أو على الاقل حاولت أن تبصق علينا. عندها فهمت بأنني، على الاختلاف من بقية صديقاتي، سأضطر إلى مواجهة أمور أصعب، بأنني سأضطر لأني أناضل من أجل هذه. فهمت بأن هناك أناس قد لا يحبونني وبأنه سيكون علي أن أواجه ذلك. أما بسن 21، عندما نشطت في خيمة الاعتصام بحي “هتكفا”، انكشفت للمرة الأولى على الفقر وعلى المسألة الشرقية وعلى العلاقة بين الأمرين. للمرة الأولى، سمعت مصطلحات مثل الإسكان الجماهيري، رأيت بأم عيني ماذا يعني أن يعمل الناس بأعمال مضنية، مضنية جداً، وألا ينجحوا رغم ذلك في تغطية تكاليف الحياة. منذ ذلك الحين أصبحت ناشطة بقدر استطاعتي، أحاول الربط بين النضالات وبين الناس.

להטבים בצבא
صورة لمثليين التقيا في نفس الوحدة بالجيش تثير عاصفة على صفحة الفيسبوك التابعة لسلاح الجو. “المسار السريع لقبولهم في المجتمع”.

خلال “الجرف الصامد” (الحرب على غزة عام 2014)، وبعد أن كتبت شيئاً ضد الحرب، وصلتني رسالة من صديقة طفولة لم أكن على اتصال بها منذ سنوات طويلة عبرت فيها عن غضبها واستهجنت انتقادي ل”أكثر جيش أخلاقي في العالم”. كتبت لي بأنها أيدتني عندما شاركت بالنضالات الاجتماعية (كان ذلك عن بعد طبعاً لأنها لم تأبه بالقيام بشيء حقاً) ولكن عندما أكتب هكذا بشكل سياسي “فهذا مبلغ به..”. ردود فعل شبيهه وصلتني قبل عدة أيام بعد أن قمت برفقة عدة صديقات بتعكير صفو مؤتمر حركة “فخر مضاعف لإسرائيل” التي تسعى إلى مضاعفة عدد النساء في المناصب القتالية بالجيش ومضاعفة عدد المثليين المعلنين في الجيش.

قمت بالتشويش على الكثير من المؤتمرات في حياتي. وقد تأسفت كثيراً للتشويش على هذا المؤتمر، مع ذلك فقد شعرت بأن علي أن أقوم بذلك. بالذات لأن هذه مجموعتي التي أتوقع منها فهماً سياسياً أوسع للأمور. كنت أول من قطعت الحديث حيث سألت عضو الكنيست ستاف شابير ان كان هناك فخر في الاحتلال. القيم التي كانت تحملها عضو الكنيست شابير بالماضي أصبحت قبل الانتخابات الداخلية يسارية جداً بنظرها. طلبت بأن تجيبني إن كان هناك احتلال برأيها أم لا، وخمنوا ماذا كان ردها؟ ببساطة لم أحصل على اجابة. بدل أن تجيب على الأسئلة، راحت تلقي خطاباً شعاراتياً فارغاً يذكر بمقالات يئير لابيد حول ماذا يعني بأن نكون إسرائيليين، ولكنها ولشدة وقاحتها تحدثت كذلك عن الإسرائيليين المثليين رغم أنها، على حد علمي، ليست مثلية ولا تعرف عن نفسها كجزء من المجتمع المثلي ولكنها لسبب ما شعرت بأن لديها حق في الحديث أكثر مني. ولم تكن هذه المرة الأولى. بعد ذلك تحدثت عضو الكنيست ميراف بن أري، ورفضت هي الأخرى بأن ترد على السؤال البسيط- ان كان هناك احتلال برأيها أم لا.

بين الجمهور جلس أناس لم يرغبوا في سماع أسئلتي، هؤلاء يفضلون بأن يشعروا بأنهم ينتمون، بأن الآخرين يتقبلونهم. أنا أيضاً أريد بأن يتقبلونني. ليس من الممتع بشكل خاص بأن أكون تلك التي “تخرب الحفلة”، على الأقل لم يكن من الممتع تخريب هذه الحفلة بعينها. ولكن لو كان الحديث عن مؤتمر لمبادرة مثلية ضد الاسكان الجاهيري لجئت وقمت بنفس الشيء. الامران سواسية من ناحيتي.

هم قالوا لي “نحن لسنا مثليين فقط”، قالوا بأن لا علاقة لذلك، بأن هذا غير محترم، قالوا بأننا متطرفات- ولكنني لست متطرفة بالمرة. لا أعتقد بأن هناك أي شيء متطرف في من يفكر بأن المجموعات المستضعفة لا تستطيع الاهتمام بحقوقها فقط وبأن عليها أن تناضل سوية أو على الأقل ألا تقمع احداها الأخرى وتكون سبباً في بؤسها. تذكرت ندوة شاركت بها وسألت خلالها شخص من “فخر في الليكود” ان كان يعتقد بأنه يجب توفير ملجئ في إسرائيل للفلسطينيين المثليين الملاحقين بسبب هويتهم الجنسية، فرد وقال بأنهم فلسطينيين قبل أن يكونوا مثليين وبأن لا مجال لأن نعرف بأنهم ليسوا مخربين(!).

هناك فرق ضخم بين تأييد المثليين الذين يريدون التجند للجيش كجزء من الارتقاء الاجتماعي او أي سبب آخر، بأن نؤيدهم بشكل شخصي- وهو الأمر الذي أستطيع تفهمه- وبين الخروج بحملة “headstart”  طنانة بمشاركة مجموعة من أعضاء الكنيست لوقف رهاب المثلية أو المساهمة في دمج المثليين بالمجتمع. فبالامكان تحت نفس العنوان، مثلاً، أن نقيم مبادرة تدعم المثليين من العائلات الفقيرة أو بالمجموعات المستضعفة داخل المجتمع المثلي. ولكن كما هو متبع في بلادنا فقد فضلوا ال- “Pinkwashing”، المسار السريع لقبولهم في المجتمع، ذلك من خلال مبادرة ستقدم، بأحسن حال، مكانة القائمين عليها من أحزاب “العمل”، “كولانو” أو “يش عتيد”. هم لم يردوا علينا بالطبع حول رأيهم بقيام “وحدة 8200” (وحدة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي) التي تحب المثليين، بجمع المعلومات عن المثليين الفلسطينيين لتبتزهم وتجبرهم على التعاون مع إسرائيل.

مسيرات الفخر في تل أبيب تحولت لماكينة نقود يتم تشحيمها وترويجها جيداً: لم يعد الحديث عن قلة من المثليين الذين يتحدثون بخطاب حقوق الانسان كما جرى في المظاهرة الاولى التي لم تحصل على ترخيص، فكيف سنتعاطف مع الفلسطينيين الذين يتم تفريقهم بكل مظاهرة ينظمونها بوسائل عنيفة؟

لم يكن هناك الكثير من المجال للحوار في ذلك المساء. صحيح، نحن لسنا مثليين فقط، أنا لست مثلية فقط، أنا عالم كامل من الهويات: أنا امرأة تحصل على أجر متدني وتتعرض أكثر للمضايقات الجنسية وعدم المساواة في المجتمع. أنا أرى من حولي ولدي أيضاً أمهات وحدانيات، يهربن من رجال متحرشين ويناضلن لكي يربين اولادهن بكرامة في دولة تدوس عليهن في كل يوم. مع ذلك، فبإمكاني أن أحيى حياة جيدة، ومثلي المبادر للمؤتمر، عومر نجماني، نقيب احتياط في الجيش، ابن “الأناس المحترمين” بوجهه الجميل والأبيض الذي لن يلكمه أي شرطي فقط لأنه يجلس في حديقة عامة. كمثليين، نحن لا نتمتع بكل الحقوق الممكنة ولكننا أيضاً لسنا في الحضيض، على الأقل هؤلاء من بيننا الذين يتواجدون في مكان أقوى في المجتمع الإسرائيلي. بإمكاننا أن نعيش حياتنا بصورة جيدة نسبياً على الرغم من التحريض ضدنا وعلى الرغم من هؤلاء الذين يرهبون المثلية الذي نصادفهم بشكل ثابت أو عابر.

كما قلت في المؤتمر، على ما يبدو، فقد نسينا ما يعني بأن يكون الانسان مقموعاً ومستضعفاً. حصلنا على الكثير من الحقوق، “أكثر من اللازم”، بالعشرين سنة الأخيرة حتى نسينا ماذا شعرنا عندما قام شرطيون بضربنا وملامستنا فكيف سنتذكر العنف الشرطي الذي يتعرض له الفلسطينيين والأثيوبيين؟ مسيرات الفخر في تل أبيب تحولت لماكينة نقود يتم تشحيمها وترويجها جيداً: لم يعد الحديث عن قلة من المثليين الذين يتحدثون بخطاب حقوق الانسان كما جرى في المظاهرة الاولى التي لم تحصل على ترخيص، فكيف سنتعاطف مع الفلسطينيين الذين يتم تفريقهم بكل مظاهرة ينظمونها بوسائل عنيفة؟ ربما نسي بعض منا ماذا يعني بألا يتم قبولك للعمل بسبب هويتك الجنسية، أو لأننا لم نذق ذلك على جلدنا فنحن لا نعرف ماذا يعني بأن لا يقبلوك للعمل بسبب أصولك أو لأنك امرأة فقيرة لا حول ولا قوة لها.

ليست هذه محاولة للظهور كمتنورة أو كأفضل من بقية المشاركين في هذه المبادرة السخيفة إنما هي رؤية سياسية ايديولوجية لا تحظى بشعبية للأسف الشديد. ربما كانت حياتي لتكون أسهل لو أنني أستطعت ببساطة دعم هذه المبادرة، لو كان بإمكاني أن أقول الأمور التي يريد الجميع سماعها، لو بقيت في النضالات “الاجتماعية” كما كتب لي أحدهم وعبر عن خيبة أمله مني لأنه أعتقد بأنني “مقالتة من أجل العدل” أو شيء من هذا القبيل أما الآن فهو يدرك بأنني لست كذلك. تلقيت العديد من ردود الفعل هذه، بعضها كانت من أناس هتفوا لنا عندما قمنا بنفس الطريقة وبدرجة أشد حتى بتشويش مؤتمرات لحزب “البيت اليهودي”: عندما كان هناك خوف للمس بحقوقهم لم تكن لديهم أية مشكلة مع كوننا غير مؤدبات، أما في النضال من أجل أناس آخرين فهم يتوقعون درجة معينة من “الرسمية” على ما يبدو.

ومن النهاية عودة إلى البداية. أنا لم أنسى بصقة تلك المسنة باتجاهي وباتجاه شريكتي كما لم أنسى النسوة اللواتي سكن في خيمة حي “هتكفا”. في كل مرة أشعر بها بالضياع، أذكر نفسي بأن علي أن أناضل من أجل كل هذه الأمور، وليس فقط من أجل نفسي، إنما أيضاً من أجل ساره ومن أجل هؤلاء النسوة وكل من يواجه صعوبات لأن هناك من يعمل على وضع الصعوبات في طريقه. ما العمل فأنا ببساطة لا أرى أي فرق بين هذه.

لا يمكن تجاهل هذه الكلمة المقيتة، “احتلال”، أو تجاهل دورنا في هذا الاطار. لا يمكن تجاهل حقيقة استخدامنا بشكل انتهازي وسياسي كمثليين يتجندون للجيش لتبييض غسيل دولة إسرائيل القذر. ليس فقط بأنه لا يمكنني أن أشارك بهذا، أنا أشعر بأن علي كمثلية أن أعارضه. فقدان الشعبية هو بنظري الثمن البسيط الذي ندفعه في سبيل ذلك.

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.