كيف يخون اليسار الإسرائيلي وظيفته مرة تلو الأخرى
الحكومة والسلطات الأخرى حاولت ونجحت حتى في الغاء نشاطات عزمت منظمة “نكسر الصمت” على اقامتها بالعامين الأخيرين. فقط قبل أسبوعين تم الغاء نشاط كان من المفترض بأن يتم في “كريات اونو”. عضو الكنيست ميخال روزين من “ميرتس”، التي كانت من بين المبادرين، عقبت على ذلك بشدة بقولها: “هذا اثبات قاطع لاستغلال الادعاءات البيروقراطية لصالح الملاحقة السياسية وكم الأفواه، ومرآة دقيقة لحقيقة عمل “مفعال هبايس” في خدمة الرقيبة ريجف (بالاشارة الى وزيرة الثقافة ميري ريجف).” ولكن من المثير بأن أحداً في “ميرتس” لم يعقب عندما استهدفت الملاحقة السياسية وكم الأفواه النشطاء الفلسطينيين. ففي نفس الوقت الذي الغي فيه نشاط “نكسر الصمت”، رفضت الشرطة اعطاء موافقة لجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل لإجراء مسيرة العودة، والتي من المفترض بأن تجري في بداية أيار على أراضي قرية الكابري القريبة من كيبوتس كابري. فلماذا لا يظهر حزب “ميرتس” ثباتاً في مواقفه ويعارض الملاحقة السياسية وكم الأفواه، كما عرفتها عضو الكنيست روزين، أيضاً في هذ الحالة؟.
من الناحية الايديولوجية والاثنية، اليسار في البلاد مركب بالأساس من سلالة “اسرائيل الاولى”، أي النخبة الأشكنازية التي أسست الدولة. هذه المجموعة السياسية لا تواجه الادعاء القائل بأن المظالم التي نشهدها حتى اليوم، على هيئة العنصرية داخل المجتمع اليهودي والحكم العسكري بالأراضي المحتلة، بدأت من قبل اقامة الدولة واشتدت من بعدها، مع ترسيخ النخبة الأشكنازية لحزب “مباي” والكيبوتسات. لهذا، عندما تطرح على الأجندة العامة اليوم مواضيع تتعلق بوضوح بالدفاع عن حقوق الانسان، مثل الحق في اجراء مسيرة العودة (والتي لا تنظم بالقرب من كيبوتس كابري صدفة)، نجد بأن اليسار يخون وظيفته: فجأة نرى كيف يكنس تحت البساط كل ادعاء فلسطيني حول الظلم وخرق حقوق الانسان.
من الملفت بأن نهج السكوت والاسكات نفسه معتمد باليسار فيما يتعلق بالنضال الشرقي. لهذا نرى بأن “ميرتس” وعضو الكنيست دوف حنين من “الجبهة” لا يتطرقون تقريباً لقضية اولاد اليمن، البلقان والشرق (اولاد القادمين الجدد الذين اختطفوا من عائلاتهم بالسنوات الاولى من الدولة) بينما كتلة “التجمع”، التي تضم اعضاء كنيست فلسطينيين فقط، تبدي استعداداً جدياً أكثر لأن تنشط في الكنيست من أجل كشف الحقيقة بهذه القضية. نفس الشيء ينطبق على توجيه التلاميذ العرب والشرقيين للمساقات المهنية في جهاز التربية والتعليم، وهي الطريقة العنصرية التي أسست من قبل “مباي” وما زالت جارية حتى اليوم بقيادة وزير التربية نفتالي بنيت. تماماً كما لا يتجرأ اليسار على الحديث عن الارهاصات الخطيرة لحرب ال-1948 على الشعب الفلسطيني، فهو لا يتحدث كذلك عن جذور العنصرية والظلم تجاه الجمهور الشرقي.
احد العوارض المركزية لهذا النهج هو اتهام الجمهور الشرقي بإظهار العنصرية تجاه العرب من خلال تجاهل دور الاشكناز في الصراع. في عنوان مفزع بموقع “هآرتس” توج مقالة لدميتري شومسكي تم الادعاء بأن “الشرقيون يكرهون العرب” (وقد تم تغيير هذا العنوان بعد وقت قصير في اعقاب رسالة أبرقتها لمحرر كبير في الصحيفة). لكن الادعاء بأن الشرقيين هم وجه العنصرية الإسرائيلية هو في الحقيقة احد نتائج انكار المسؤولية التاريخية للمجموعة الاشكنازية عن ممارسات السرقة، الطرد والاستيطان. علينا أن نذكر في هذا السياق بأن من أسس في البلاد العقلية السياسية التي كانت من وراء “احياء الصحراء” و”تهويد البلاد” كان حزب “العمل” (“مباي” سابقاً) وحركة الكيبوتسات. صحيح بأن الشرقيين ومجموعات أخرى تبنوا مواقفاً صهيونية تؤيد “التوطين” والاحتلال ولكن مبادئ هذه الحركة أحضرت من اوروبا.
في الشهور القريبة سيتم احياء ذكرى النكبة ويوم رفع الوعي لاختطاف اولاد اليمن، البلقان والشرق. سيقوم اليسار الإسرائيلي بعين الصواب اذا ما أخذ دوراً جدياً في هذه النضالات. اليسار، أي يسار، لا يستطيع أن يعمل بطريقة انتقائية تستبعد عن خطاب حقوق الانسان والعدل نضالات اصيلة تنمو من داخل المجتمعات. في السياق الإسرائيلي لليسار هناك أيضاً مسؤولية اثنية للاعتراف بالمظالم التاريخية التي تمت على خلفية عنصرية. اذا ما استمر تجاهل التاريخ السياسي في البلاد، أيضاً في الانتخابات القادمة سيجد اليسار اليهودي نفسه متراجعاً مع قوته الانتخابية المحصورة بمصوتيه القلائل في تل أبيب.