في مصيدة الفساد
عدا عن الغضب والقرف، احدى العوارض التي يشعر بها من يحاول تتبع ما يجري بالأشهر الأخيرة في إسرائيل هي الدوار. طابور المتهمين بالفساد يمتد أكثر يوماً بعد يوم. فما ان تحاول تذكر أسماء المتهمين وموضعتها في سياق قضية الفساد ذات الصلة الأخيرة حتى تظهر قضية فساد أخرى بأبطال جدد.
ولنأخذ مثالاً احد أحواض الفساد الخصبة- حوض الحكم المحلي. جاي ليبرمان قام قبل يومين في “يديعوت أحرونوت” بتعداد رؤساء البلدات الذين قدمت ضدهم بالسنة الماضية لوائح اتهام او توصيات من الشرطة لمقاضاتهم: ايتمار شمعوني من أشكلون، ايلان شوحاط من صفد، يهودا بن حمو من كفر سابا، يسرائيل زينجر من رمات غان، يوسي بن دافيد من يهود-مونوسون، والآن التحق بهم يورام شمعون، رئيس مجلس مفسيرت تسيون المتهم بتقديم فوائد بقيمة ملايين الشواقل لرجل الأعمال رامي ليفي الذي قام مقابل ذلك بتوظيف زوجة رئيس المجلس كمديرة تسويق ومدير مكتب شمعون كمدير عام للمجمع التجاري الذي يملكه. كما يبدو، فلو قامت الشرطة بتخصيص موارد أكثر لمعرفة ما يجري في الحكم المحلي بإسرائيل لطال صف المترددين على أروقة غرف التحقيقات أكثر.
الدوار يشتد اذا ما انتقلنا إلى الفساد المستشري على المستوى القطري. ولنأخذ يوفال شطاينتس، وزير الطاقة، كمثال. في الأسبوع الماضي اعتقل اثنين من مقربيه بشبهة الحصول على رشوة في قضية الغواصات، وهما رامي طيب، مستشاره الاعلامي، وشلومو شران، الذي أشغل منصب مدير مكتبه ومدير مكتب رئيس الحكومة. أما هذا ألأسبوع فقد تم التحقيق تحت الانذار مع اثنين آخرين من مقربيه- احدهم كان مستشاره فيما مضى والثاني رجل أعمال وناشط بحزب الليكود. يبدو بأن شطاينتس، الذين ادعوا في بيئته بأنه “مصدوم من النشر”، على وشك أن يصبح منافس لائق لمعلمه وسيده، رئيس الحكومة، لكسب لقب “السياسي المحاط بأكبر عدد من المتهمين بالفساد والذي يدعي بأن لا فكرة لديه عما يجري حوله”.
الفساد على المستوى القطري لا يتجسد فقط بالفساد السياسي للمنتفعين والمقربين الذين يضحون بالمصلحة العامة لصالح الفوائد الشخصية انما أيضاً بالظاهرة التي وصفها الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيجلر بال”regulatory capture” والتي يقوم منتخبو الجمهور في اطارها بالتخلي عن مسؤوليتهم والاهتمام عوضاً عن ذلك بمصالح هؤلاء الذين من المفترض بأن يقوموا بمراقبتهم.
صحيفة “هآرتس” نشرت هذا الأسبوع بأن المستشار القضائي للحكومة والنائب العام تجاهلوا رسالة نائب لواء حيفا ايتان ليدر الذي رفع ادعاءات خطيرة ضد موظفين كبار في القطاع العام بقضية خزان الامونيا في حيفا. ليدر عبر عن وجود مخاوف من عمل هؤلاء المسؤولين بدوافع مرفوضة من أجل مصالح شركة حيفا للكيماويات. وقد رفع مراقب الدولة، يوسف شبيرا، ادعاءات شبيهة ضد مسؤولين في وزارة حماية البيئة. في رسالة إلى المستشار القضائي للحكومة، ادعى المراقب بأن مخاوفاً جنائية تنبثق عن تعاملهم الذي يحسن اقتصادياً مع شركة حيفا للكيماويات على حساب سلامة السكان في خليج حيفا. موظف آخر حظي بتقرير خاص من مراقب الدولة هو شلومو فيلبر، مدير عام وزارة الاتصالات الذي عين بهذا المنصب من قبل رئيس الحكومة نتنياهو. فيلبر الذي يتواجد رهن الاعتقال المنزلي متهم بالعمل لصالح شركة بيزك التي يملكها شؤول الوفيتش، صديق نتنياهو القريب، متغاضياً المصلحة العامة.
الاستنتاج المنطقي الذي يتمخض عن ثقافة الفساد السياسي المتفشية هنا هو بأنه يجب تعزيز استقلالية القطاع العام وقدرته على مواجهة ضغوط السياسيين، أصحاب المال والشركات الاقتصادية. إلا أن رئيس الحكومة ووزيرة العدل شاكيد يعملون على تمرير اقتراحات لإدخال تغييرات ستحقق العكس تماماً. تحت غطاء أيديلوجي يتحدث عن “الحاكمية”، يقوم هؤلاء الاثنان- اللذان يحتقران القطاع العام- بالدفع باتجاه خطوات تؤدي إلى اضعافه مثل تقليص لجان التعيين للوظائف في سلك خدمات الدولة، زيادة انخراط ممثلي الوزير في عملية الاختيار وتعيين نواب المدراء العامين للوزارات بشكل شخصي. يبدو بأننا سنشتاق قريباً لأيام “السذاجة الأخلاقية” التي نعيشها اليوم(!).