لا لميراث رحباعم زئيفي في المدارس!
المؤرخ الفرنسي بيير نورا كتب عن “أماكن الذاكرة” التي أشار بها إلى منظومات رموز وظيفتها بناء ذاكرة جماعية. نصوب تذكارية، متاحف، طقوس، وأشكال أخرى للتخليد هي جزء من “لعبة بين الذاكرة والتاريخ، عملية متبادلة لعنصرين يعرفان في أعقابها بعضهما البعض”. في نهاية العملية، تستقر الذاكرة التي تتم صياغتها من جديد، تترسخ وتصبح قيمتها مطلقة. بعد ذلك، تخفت الحقائق التاريخية وتتلاشى، وتصيغ الذاكرة الجماعية الوعي الخاص كذلك.
أيام الذكرى القومية هي كهذه- أماكن ذاكرة، رموز مصممة، نصوب تذكارية بالوقت.
في جهاز التربية بإسرائيل يتعاملون بجدية مع تأثير الذاكرة الجماعية على الوعي الناشئ والغر. فعدا عن أيام الذكرى للكارثة والبطولة ولقتلى حروب إسرائيل، اختاروا في جهاز التربية تخليد خمسة من “كبار الأمة”. نعم، خمسة فقط: تروميلدور، جبوتنسكي، بن غوريون، اسحاق رابين ورحبعام زئيفي. خمسة رجال يتم التعامل معهم ك”أماكن ذاكرة”، تتم معالجة سيرهم الذاتية كشخصيات خرافية تصهر الوعي القومي لأولاد إسرائيل. لماذا تم اختيار الأربعة الأوائل بالذات وأسقط، مثلاُ، هرتسل، الكسندر زايد، حاييم وايزمان أو سارة أهرونسون (امكانية جندرية راديكالية) من هيكل التمجيد الصهيوني لوزارة التربية؟ هذا بلا شك سؤال مشوق في علم الاجتماع السياسي. ولكن ماذا يفعل وزير السياحة سابقاً رحبعام زئيفي في هذه القائمة؟ لا توجد أية اشارة ضئيلة، أي عقب لرواية قومية بالإمكان تبريرها حتى بحسب الطريقة الصهيونية المهيمنة.
قبل أن يفوت الأوان، قبل أن يصمت التاريخ وتضللنا الذاكرة التاريخية، من المهم بأن نؤكد مرة وراء الأخرى بأن وزير السياحة الذي قتل بيد خلية قتلة فلسطينية من الجبهة الشعبية قد كان جنرالاً متوسطاً، وزيراً صغيراً، عنصري كبير يحمل ايديولوجية تطهير اثني تعتمد على خطة ترانسفير خاصة به.
وأكثر من قصص المعارك، مصدر الأساطير المنسوبة له في قصص الاجرام الفظيعة لأصدقائه المقربين، قتله أشرار. هذا هو ميراثه. رغم ذلك، وبموجب تعليمات واضحة من وزارة التربية ثبتت في منشور للمدير العام، ستخلد غداً (الخميس) في طقوس أو دروس خاصة ذكرى من قتل أسرى بحسب الشهادات (بعضها ظهرت في برنامج “عوفدا” التلفزيوني وبعضها بعد بث البرنامج)، هذا من قبل أن يلتقي والدي اليؤور أزاريا (الجندي الذي أعدم الشاب عبد الفتاح الشريف في الخليل)، من اغتصب، بحسب تحقيقات مثبتة، جنديات عملن تحت امرته وتحرش جنسياً بنساء أخريات كثيرات.
أماكن الذاكرة هي أصداف تبقى على الرمل بعد أن يتراجع بحر الذاكرة الشخصية، بقول بيير نورا. قبل أن يفعل التسونامي المفتعل للذاكرة الجماعية فعله يجدر بنا أن نستعيد الذاكرة الشخصية للنساء اللواتي اعتدى عليهن زئيفي. بحسب شهاداتهن: “حاولت الهرب ولكنه أمسك بي واغتصبني. بعد ذلك قال لي “هيا، هيا، ارتدي ملابسك، لا وقت لدي، لدي جلسة في المقر”. كنت مصدومة، بحثت عن حمالة الصدر وعن ملابسي الداخلية، كان جسمي كله يرتجف، كنت بنت بسن 18 عام ونصف. وكان العالم طاهراً ونظيفاً حتى ذلك الوقت”: “جاء غاندي (الاسم الذي كان يطلق على زئيفي) بمنتصف الليل وطرق باب شقتي. كنت مرتبكة جداً. انهال علي وحاول ادخالي الى التخت ومضاجعتي بالقوة. أذكر كيف تدحرجنا على الأرضية، تعاركت معه بشدة. عندما اتضح له بأنه لن يحصل على ما يريد، فتح الباب وذهب..”. “حتى اليوم هناك علاقة من الصمت”، يقول ضابط كبير في مقر قيادة غاندي. “كانت هناك نساء عملن ضجة وكانت هناك حاجة لإسكاتهن سريعاً. كانت هناك العشرات منهن. أعتقد بأن هؤلاء فقط اللواتي نجحن بالهرب. من تعرضن للاغتصاب لم يقلن شيئاً”.
منذ مقتله، اقامت الدولة مصنعاً كاملاً لتخليد ذكرى رحباعم زئيفي، مصنع تم تكريسه بالقانون، ميزانيته أكبر من ميزانية تخليد هرتسل. في اطاره تمرر كل سنة ملايين الشواقل ل”أماكن الذاكرة” التي يسطع عليها اسم وزير الترانسفير- وهو الشرف الذي لم يحصل عليه أغلب رؤساء الحكومة ورؤساء إسرائيل. هكذا، على سبيل المثال، صادقت الوزارات، بتصويت ليلي سريع، على اقامة موقع سياحة وتخليد لذكرى زئيفي بتكلفة 43.5 مليون شيكل. اختيار مكان في الأراضي المحتلة يدل على الجوهر السياسي للوعي الذي يحاولون صياغته هنا بواسطة مصنع التخليد هذا- تحويل الاحتلال لأمر طبيعي في الذاكرة القومية وتمويه عدم قانونيته.
في السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد تحقيق “عوفدا” ظهرت معارضة معينة للمبادرات المكلفة والتشويهات التاريخية الجوهرية لمصنع تخليده. أعضاء “البلماح” القدامى منعوا تحويل موقع التخليد في خان باب الواد على اسمه، أعضاء كنيست قاطعوا المناسبات الرسمية التي نظمت لذكراه أما حزب “ميرتس” فطالب بإلغاء قانون التخليد.
لكن أحداً لا يشفق على أولاد الروضة أو على أولاد المدرسة الذين سيضطرون في الغد إلى مناقشة عقيدة وحياة وبطولة الأب الروحاني لاليؤور أزاريا.
صحافية ومخرجة، المبادرة لمقاطعة يوم الذكرى لرحباعم زئيفي في جهاز التربية.