أن تدفع مقابل أعمال الرعاية

كلّما انخفض عدد النساء اللاتي يهتممن بإدارة البيت بدون مقابل، كلّما أصبح المجتمع متساويًا أكثر. تقرير جديد لمنظمة اوكسفام حول انعدام المساواة الاجتماعيّة بمناسبة يوم العاملات العالمي.
إلزا كاستير

 

عمليًّا، نحن نعلم منذ زمن طويل نتائج البحث الجديد الذي قامت به المنظّمة الخيريّة أوكسفام بشأن انعدام المساواة الاجتماعيّة على نطاق العالم. حقيقة تركيز مصادر الثروات في الكرة الأرضيّة بيد قلّة من الرجال ذوي البشرة البيضاء، وحقيقة أنّ النساء ذوات البشرة السوداء موجودات في أسفل سلّم الفقر، ليست بالخبر الجديد. لماذا تعيد الباحثات بحث نفس البيانات مرّة تلو الأخرى؟ هل لكي يجعلن الرجال يشعرون بتأنيب الضمير؟ هذا مستبعد. قبل أيّ شيء، يرمي تقرير ״Public Good or Private Health״ إلى كشف الهيكليّات التي تؤدّي إلى انعدام المساواة بين الجنسين- وإلى كشف طرق تقليص انعدام المساواة بشكل منهجيّ وبواسطة اتّخاذ خطوات اقتصاديّة-سياسيّة. النتائج مثيرة للاهتمام، لأنها تُظهر بأنّ بحث موضوع الفقر النسائي يمكنه خلق تغيير كبير بهذا الصدد بواسطة تنظيم بسيط من قِبل دولة الرفاه، إن كان ذلك من منظور النساء، ولكن أيضًا من منظور الرأسماليّة كذلك.

المحور الأساسيّ الذي يدور حوله الوضع الاجتماعيّ للنساء حول العالم هو القطاع العام. عندما تهتم دولة الرفاه بالخدمات الصحّيّة وبالتعليم وبالبنى التحتيّة العامّة، إن كان ذلك في أوروبا أو في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن ما ينخفض عندها ليس انعدام المساواة بين الجنسين فقط، بل ينخفض انعدام المساواة الاجتماعيّة أيضًا. كلّما قلّلت النساء من القيام بأعمال منزليّة بدون مقابل- كالغسيل والطهي، وإحضار الماء وجمع الحطب، وانتهاءً بالاهتمام بالأطفال والعجزة- كلّما تحسّن وضعهنّ الاجتماعيّ.

“إذا تم تنظيم كلّ أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها نساء حول العالم في شركة واحدة، فعندها ستكون الدورة السنويّة لهذه الشركة 10 تريليون دولار، وهي عبارة عن 43 ضعف الدورة السنويّة لشركة آبل”.

لاحظت الباحثات الاجتماعيّات هذه العلاقة خصوصًا في فترات الأزمات الاقتصاديّة. بيّن صندوق روزا لوكسمبورغ في بحث شامل قام به في دول مختلفة، في عام 2018، أنّ انعدام المساواة بين الأجناس في أوروبا قد ازداد بعد الأزمة الاقتصاديّة في عام 2008، وذلك لأنّ سياسة التقشّف التي اتّبعتها الحكومات الأوروبيّة شملت تقليصات في الخدمات العامّة.

يشير بحث أوكسفام أيضًا إلى أن النساء يتضرّرن من سياسة التقشّف بشكلٍ مضاعف. من جهة، لأن العاملات في الخدمات العامّة هم نساء بالأساس، حيث خسرت عاملات الرعاية والمعلّمات وظائفهنّ بعد الأزمة، واضّطررن إلى العمل في ظروف أسوأ من ذي قبل. ومن جهة أخرى، لأنّ النساء هن من يهتممن بالأطفال عادةً عند إغلاق حضانات ورياض الأطفال، وهنّ من يهتممن بالأهل عندما تصبح تكلفة خدمات الرعاية الصحّية غالية أكثر من اللازم. تجزم الباحثات: “عند حدوث الأزمة، تتحمّل النساء الصدمة الاقتصاديّة- هن يملأن الفراغ الذي ينتج بسبب التقليص في الخدمات، ويقمن بهذا العمل من خلال دفع ثمن شخصيّ باهظ”.

من ناحية أخرى، يدّعي بحث أوكسفام أن بإمكان الاستثمار العام أن يخفض انعدام المساواة بين الأجناس. عندما تهتم الدولة برعاية الأقرباء أو الأطفال، تضطر النساء للقيام بشكل أقلّ بأعمال رعاية بدون مقابل، وسيتوفّر لديهنّ الوقت للقيام بأعمال مدفوعة الأجر. مدينة ريو دي جانيرو هي مثال على ذلك: أدّى الدعم الحكوميّ لرياض الأطفال إلى زيادة التشغيل بنسبة 27 بالمئة عند الأمهات.

عند انعدام الكهرباء

يلعب تزويد البنى التحتيّة دورًا مركزيًّا في وجود العمل دون مقابل، عدا عن الدول الصناعيّة والمتطوّرة: عند انعدام الكهرباء، يجب القيام بأعمال الغسيل يدويًّا. على سبيل المثال، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تصل الكهرباء إلى 65 بالمئة من السكّان، و37 بالمئة منهم غير موصولين بمصدر مياه، ولذلك تعمل النساء 14 ساعة يوميًّا بالمعدّل من دون مقابل. يخمِّن تنظيم أوكسفام أنّه عندما ستنظّم الدولة البنى التحتيّة المتعلّقة بالمياه في زيمبابوي، ستتمكّن النساء من أن يعملن 4 ساعات أقلّ يوميًّا، ممّا سيمكّنهنّ من الانخراط في سوق العمل. تهدر النساء والفتيات حول العالم في أيامنا هذه 125 مليون ساعة عمل بحثًا عن مصادر المياه فقط.

قامت الباحثات بحساب حجم القطاع الاقتصاديّ للعمل بدون مقابل حول العالم، “تمويل خفيّ ضخم”: في الدول ذات الدخل المنخفض، يتلخّص عمل النساء بدون مقابل في قطاع الصحّة فقط بثلاث بالمئة من الناتج القوميّ الإجماليّ. “إذا تم تنظيم كلّ أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها نساء حول العالم في شركة واحدة، فعندها ستكون الدورة السنويّة لهذه الشركة 10 تريليون دولار، وهي عبارة عن 43 ضعف الدورة السنويّة لشركة آبل”.

عاملة نيبالية تصلح أضرار الهزة الأرضية في 2015 (تصوير كيران دوهرتي\اوكسفام).

لا تعبّر المنظّمة الخيريّة عن موقفها تجاه تجارة أعمال الرعاية الصحّيّة، وإنما تكتفي بمطالبة تزويد هذه الأعمال من قِبَل دولة الرفاه، أي الاستثمار الحكوميّ بها، لأن هذا الاستثمار سيعود بالفائدة على الدولة. تشير الأبحاث إلى أنّ الاستثمار في الخدمات والرعاية الصحّية بنسبة 2 بالمئة من الناتج القوميّ الإجماليّ قد أدّى إلى زيادة بنسبة 1-3 بالمئة في التشغيل في دول ذات دخل متوسّط. على سبيل المثال، أدّى ذلك إلى زيادة 24 مليون وظيفة جديدة في الصين، والتي تعتبر زيادة 13 بالمئة أكثر من استثمار مشابه في قطاع الإنشاء مثلاً. بالإضافة إلى ذلك، زادت نسبة الضرائب في الدولة بسبب الدخل الإضافيّ الناتج، مقارنة مع استثمارات مشابهة في القطاعات الأخرى.

بكلمات أخرى: في حال تم تنظيم أعمال الرعاية من قِبل الدولة، كما يطالب تنظيم أوكسفام، أو حتّى من قِبل شركة خاصّة، ستنشأ وظائف جديدة بإمكان النساء أن يشغلنها. بهذه الطريقة، ستكسب النساء النقود، وسيتوفّر دخل إضافيّ ممكن للدولة، وسينخفض انعدام المساواة بين الأجناس، لأنّه، وحتّى لو بشكل رسمي، ستكون النساء حرّات في سوق العمل تمامًا كالرجال، وبطبيعة الحال، لن تكنّ حرّات بنفس القدر كالرجال أيضًا، لأنّه عندما يتم تنظيم أعمال الرعاية من قِبَل الدولة وليس بصورة شخصيّة أو عائليّة، هذا يعني بمفاهيم نيو-ليبراليّة أنّ النساء خاضعات لمنطق التسعير والمنافسة أيضًا. يمكننا أن نشاهد اليوم، في مجال الرعاية الصحيّة، عاملات يعملن في ظروف عمل صعبة للغاية، ولذلك لا يتوفّر لديهن الوقت الكافي لتقديم رعاية جيّدة للأشخاص الذين يحتاجون ذلك. من جهة أخرى، ظروف عملهن ليست بالضرورة أسوأ من ظروف عمل امرأة عليها الاهتمام بأمّها المريضة، بالإضافة إلى عملها الجزئيّ ورعاية أطفالها والاهتمام ببيتها. على أيّ حال، فإنّ درجة أعمال الرعاية سترتفع عند تحويلها إلى وظائف حكوميّة، وستسنح الفرصة للنضال الجماعيّ من أجل ظروف عمل أفضل.

على هذا الأساس، يجب إتاحة الفرصة للدول المختلفة للاستثمار في البنى التحتيّة وفي الخدمات. لتمكين ذلك، يطالب تنظيم أوكسفام بالتخفيف من عبء ديون هذه الدول وفرض الضرائب على الدخل المرتفع وعلى رأس المال والشركات. هذا يعني إعادة توزيع الثروة. على فكرة، عند تحرير النساء من العمل غير مدفوع الأجر، سيتوفّر لديهن الوقت أيضًا من أجل القيام بنشاط سياسيّ يهدف لتحقيق هذه الأهداف.

 

*نشر المقال للمرة الأولى في المجلة الألمانية “Freitag”، ترجمته من العبرية: منى أبوبكر.

اقيمت زاوية حول العالم مع روزا بمبادرة مؤسسة روزا لوكسمبورغ في إسرائيل وبالتعاون مع موقع اللسعة لتوفّر منصة للتعرّف على ولتداول القضايا الراهنة التي تشغل حركات اليسار بأنحاء العالم. تتيح الزاوية للقارئ تناول النقاشات العالمية باللغات العربية والعبرية والتفاعل معها، وبذلك تقوم بإثراء الخطاب اليساري المحلي. يسرنا ان ترسلوا لنا اقتراحاتكم لمقالات ملائمة للترجمة وملاحظاتكم عبر البريد الالكتروني: einat@rosalux.org.

*المقالات في هذه الزاوية لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة روزا لوكسمبورغ و/او موقع اللسعة.

التعليقات

 

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.