الليكود وطبق الفضة الشرقي
يدعي مصوتو الليكود الشرقيون بأن الليكود أعاد لهم كرامتهم التي داس عليها حزب مباي، وبأنهم، خلافاً ״لليسار” الذي يحقد على إسرائيل، يحبون الشعب والدولة والبلاد. وحزب الليكود، من ناحيتهم، ملتزم تجاه الشعب، مخلص للدولة ويحمي أرض إسرائيل. الليكود، من ناحيتهم، هو البيت. هذه التعليلات للخيارات السياسية رائجة ومعروفة. بحسب هذا المنطق، فإن التجارب الشعورية وليس الاعتبارات المنفعية هي التي توجه انتخاب الشرقيين لليكود. عليه يبدو أن المنفعة والطموحات تستبدل وسط الكثير من مصوتي الليكود بالاحترام والمحبة. وبما أن الليكود قام بترميم كرامتهم فهم يغدقون الليكود ورؤسائه بالمحبة.
ولا يتم هكذا ترميم كرامة مصوتي الليكود الشرقيين فقط بل أن هذا يسمح لهؤلاء بالنظر إلى أنفسهم كذلك كمحبي الشعب المخلصين للدولة والذي يحافظون على البلاد، الأمر الذي لا علاقة له بالضرورة مع الواقع. لا شك بأن معادلة الاحترام والمحبة جميلة ومريحة للغاية كما أنها معادلة رابحة بحسب المتحدثين الشرقيين بإسم الليكود. انها قصة حب بين سندريلا شرقية مهملة وأمير ليكودي جميل. ولكن هذه القصة الاسطورية أفضل من أن تكون حقيقية وليس فقط بسبب مدة العشق التي تتعدى الأربعين سنة(!). كل ما يجب فعله لنخز بالون الاحترام والمحبة بين الشرقيين والليكود هو أن نسأل: من الرابح من قصة الحب هذه؟
من الواضح تماماً بأن بنيامين وساره نتنياهو- الفائزين المباشرين في انتخابات ٢٠١٩- بعيدون عن قضايا الشرقية كبعد السماوات عن الوديان في الأرض. وأيضاً بأن مراجعة التوزيع الجغرافي للدعم الذي حصل عليه الليكود يظهر بأن قصة الحب هذه مركبة أكثر. حيث يدل توزيع نتائج الانتخابات بحسب مكان السكن على وجود شرقيون فقراء كثر ينتخبون الليكود. ولكن لماذا يصوت الفقراء الشرقيون لليكود بسبب الكرامة والمحبة؟ فمصدر الرزق، الاسكان، الصحة والطعام، وهي المحتوى العملي للكرامة الانسانية، تحسب بالأموال وليس بالكلمات.
عليه، نبقى مع السؤال: ما هي العوامل التي تشجع على انتخاب الشرقيين لليكود بشكل واسع؟
أولاً، يجب مناقشة مسائل الاحترام والمحبة السياسية. الاحترام يعني أخذ مشاعر، رغبات، حقوق وتقاليد الآخر بعين الاعتبار. مثلاً، يجب أن نسأل كيف رمم الليكود كرامة الشرقيين؟ أين، متى وبأية أشكال أثبتت السياسة الحكومية والحزبية بأنها تأخذ مشاعر، رغبات، حقوق وتقاليد الشرقيين بعين الاعبتار؟ ما هي الأعمال الفعلية التي قام بها الليكود والتي أعادت للشرقيين كرامتهم، خاصة الفقراء من بينهم؟
يجب أن نكرر السؤال: ما هي السياسة الاقتصادية التي وضعها نتنياهو والتي تأخذ الشرقيين بعين الاعتبار والتي يحصل لقائها على محبة الشرقيين وانتخابهم له مرة تلو الأخرى؟ من الواضح تماماً بأن الكلام ليس مقياساً للاهتمام والمحبة. الشرقيون الفقراء الذين يعلنون ولائهم لليكود لا يحصلون على أية “احترام” ولا على “محبة” بالطبع. لا يوجد أي احترام ولا أثر للمحبة في سياسة حكومات الليكود تجاه الشرقيين من الطبقة الدنيا. حتى أن الليكود معادي للفقراء وهو يوسع الفقر بشكل واعي ومتعمد. من يقف برأسه يكره الفقراء. بل أكثر من ذلك، لا يوجد لا احترام ولا محبة حتى بمواقف السياسيين الشرقيين في الليكود تجاه المصوتين الشرقيين الفقراء. بل أن العكس هو الصحيح.
عملياً، فإن الليكود يتحدث عن أرض إسرائيل الكاملة، يمرر الأموال والموارد للمستوطنات في الأراضي المحتلة، يفاقم غلاء المعيشة، يدير حرب شعواء ضد اللجان العمالية، يلغي الخدمات الطبية الضرورية من أماكن مثل كريات شمونه ويعمق علاقة التعليم المهني بالشرقيين. هذه حقائق اقتصادية وسياسية هي نتيجة سياسة حكومية تمس بالكثير من الشرقيين، وهي لا تعبر عن الاحترام او المحبة بالمرة. بامكاننا التلخيص والقول بأن حكومات الليكود تساهم في تعزيز المصالح الطبقية والأشكنازية وتهمل جودة حياة الشرقيين تماماً.
لا احترام، لا محبة
على الرغم من هذه الحقائق، يبدو بأن “ايديولوجية الاحترام والمحبة” تحظى بدعم ورواج، وقد قدمت انتخابات ٢٠١٩ مئات آلاف الاثباتات على سريان مفعول هذا الموقف. عدا عن ذلك فقد تحولت ايديولوجية الاحترام والمحبة” الى حقيقة مقبولة: حيث يتم التعامل معها كتفسير مفهوم ضمناً لعلاقة الشرقيين بالليكود ويكررها الكثير من النشطاء السياسيين هنا وهناك.
جزء ملحوظ من هؤلاء النشطاء يأتي من صفوف الطبقة الوسطى الشرقيةن وهي الطبقة التي وسعت صفوفها في العقود الأربع الأخيرة من حكم الليكود. هؤلاء النشطاء يشكلون جسراً حياً بين حزب الليكود والجمهور الشرقي. من خلالهم يتم التأكيد على اعتزاز الشرقيين بكونهم أبناء بيت وشركاء في الحكم رغم أن دورهم فيه صغير جداً (انظروا صورة السبعة الرائعين الذين تصدروا قائمة الليكود في الانتخابات الأخيرة).
ومما يثير العجب والسخرية بأن موتيف المحبة لليكود ينجح حتى في التغطية على غياب التمثيل السياسي وحماية مصالح الجمهور الشرقي. بدل المنفعة والمصالح المتعلقة بالقوة الاقتصادية والرمزية، يكتفي الشرقيون في الليكود بسياسة الفخر وبالحصول على بطاقة دخول شخصية لنادي الانتماء الليكودي. يبدو بأن الاعتبارات النفسية والتعويض العاطفي ينجحون في استبدال تسييس اليومي. وكأن هناك من يقول لهؤلاء النشطاء السياسيين: “انتم امتنعوا عن السياسة الجماعية، لا تطالبوا بقوة سياسية فعلية، ونحن سنمنحكم الكثير من المحبة والصداقة الشخصية في النادي”.
السياسيون الشرقيون من ناحيتهم لا يقبلون هذه الشروط فقط بل أن معادلة “الاحترام والمحبة” أصبحت شرطاً ضرورياً لوجودهم في الليكود. هكذا يتم ارساء الهيمنة الاشكنازية كاللغة الوحيدة السائدة- ليس فقط بالليكود انما في السياسة الاسرائيلية عامةً. الاشكنازية تعرف كإسرائيلية. كل من يحيد عن هذا التعريف يتم وسمه كطائفي، مختلف، يكسر وحدة الصف ولهذا يتم نفيه من الليكود أو من أي حزب آخر. هكذا تسود هيمنة الاشكنازية في كل شيء: في اليمين، الى الأعلى، الى الأسفل، ومن اليسار.
حصرية الهيمنة الاشكنازية هي قاعدة ذهبية في السياسة الاشكنازية بإسرائيل. انه قانون يضطر المبادرون السياسيون من الطبقة الوسطى الشرقية في الليكود الى التوقيع عليه. من جهة، ممنوع عليهم بأن يتحدثوا عن الشرقية، ومن جهة أخرى، عليهم أن يحضروا “الشرقيين” بجماهيرهم ليدعموا الليكود. هم شرقيون ممنوع عليهم أن يعيشوا بشرقية. هذه هي قواعد اللعبة المتناقضة التي يعيشها نشطاء الطبقة الوسطى الشرقية “الفخورين بشرقيتهم”. ولقاء هذه التضحية الهائلة، هم يحصلون على مقابل اقتصادي ومكافئات اجتماعية وشخصية، أي وظائف ودرجة معينة من القوة السياسية. هكذا يتحول هؤلاء لمدراء عبارات (بالاشارة الى معسكرات القادمين التي ركز فيها اليهود الشرقيين بعد هجرتهم الى إسرائيل). هم يسمون هذا المقابل “احترام ومحبة”، أنا اسميه فساد سياسي.
وجود هكذا سياسيون شرقيون يسمح ويشرعن تنكيل حكومات الليكود بالضعفاء في المجتمع الإسرائيلي. هذه الحكومات تدلل أصحاب القبضات من الطبقة الوسطى الشرقية بواسطة منحهم وظائف ادارية بدرجة متوسطة، ادارة فروع حزبية واقتصادية، سكن في البلدات المجتمعية في الأراضي المحتلة، تحويلهم الى مقاولي أصوات ونشطاء اجتماعيين وما الى ذلك. هكذا شكلت حكومات الليكود الطبقة الجديدة من مدراء العبارات من سنوات الستين في القرن ال-٢١، والجدد أقسى بكثير من الاوائل.
طبقة مدراء العبارات
علاقة الليكود والشرقيين تشوبها اذاً الكراهية المتخفية خلف الكثير من كلمات المحبة. وكما في قصص الروايات الرومانسية، هناك الكثير من التنكيل وقساوة القلب في علاقة الطبقة الوسطى الشرقية بالشرقيين الفقراء. هناك خيانة اجتماعية من قبل طبقة “الناجحين” الشرقيين التي تتهم الضعفاء الذين يواصلون السكن في “الأحياء” وفي “بلدات التطوير” وتلقي عليهم بالمسؤولية عن “فشلهم”. وبينما يستعمل “الناجحون” أنفسهم كإثبات لامكانية النجاح، لا يوجد هناك أي تعاطف ولا أية محاولة لإقامة جماعة اجتماعية أو سياسية. على العكس تماماً. هناك استغلال اقتصادي، فصل اجتماعي، تحريض ثقافي وقمع لإمكانية صعود قيادة مسؤولة ومتعاطفة. كما يتضح، فإن “ايديولوجية الاحترام والمحبة” في الليكود ولليكود هي بمثابة تفويض للقسوة الاجتماعية.
باختصار، فإن الشرقيين عامة والشرقيين الفقراء خاصةً بعيدين كل البعد عن امكانية اقامة “بني عكيفا” الخاصة بهم. فالشرقيون لم يقتربوا يوماً من إمكانية تنظيم أنفسهم بشكل ريادي وطبقي لدعم مصالحهم مثل حركة الاستيطان التي أقامها أصحاب الحسن والجمال.ممنوع بأن ينظم الشرقيين أنفسهم، ممنوع بأن يخلقوا قيادة مستقلة تشكل قدوة للأجيال القادمة. الخاص في الحالة الشرقية هو بأن المسؤولين عن هذا المنع هم مدراء العبارات الشرقيين الذي يخدمون أسيادهم الأشكناز. هذا صحيح في الليكود، في اليمين وفي اليسار.
السياسيون الشرقيون من الطبقة الوسطى الشرقية منشغلون بموضوع واحد ووحيد فقط: “أنا”! فقط “أنا”، ومرة أخرى “أنا”. تماماً مثل اورن حزان. تماماً مثل ميري ريجف. تماماً مثل دافيد بيطان. تماماً مثل دافيد ليفي. مثل موشيه شاحل (نعم، أعرف بأنه كان مع مباي ولكنه تولى نفس المهمة!). تماماً مثل موشيه كحلون. “الأنا” النفسي و”سياسات الهوية” الثقافية هي التي تقف من وراء المعادلة التي تسمح بالسيطرة المحكمة لطبقة مدراء العبارات على الجمهور الشرقي. هؤلاء هم مقاولو الأصوات لليكود وأيضاً للأحزاب الأخرى ولكنهم يتواجدون في المقصلة بأنفسهم وحركتهم محددة بين قطبين. من جهة، عليهم تكريس العوامل النفسية للسياسة (“الاحترام والمحبة”)، ومن جهة أخرى فهم ملزمون بخلق ثقافة من حول الشرقية والتقليدية (“سياسات الهوية”).
يشكل مدراء العبارات اذاً حلقة وصل ضرورية في إرساء هيمنة الاشكنازية، هم بمثابة طبق الفضة الشرقي الذي تقدم عليه السيطرة على المجتمع الاسرائيلي للاشكناز.في الانتخابات الأخيرة، قدمت هذه “الموفليطا” (حلويات يصنعها اليهود المغاربة في عيد الميمونة الذي يدأب نتنياهو على المشاركة في طقوسه كل عام) لبنيامين نتنياهو على هيئة ٣٥ مقعداً في كنيست إسرائيل.
تلخيص: في انتخابات ٢٠١٩ أصبحت الصورة أوضح
أولاً وخلافاً للرأي السائد فقد عبرت الانتخابات الأخيرة عن توتر طبقي عميق في المجتمع الإسرائيلي. فهم الطبقية الإسرائيلية ضروري لفهم نتائج الانتخابات. هناك توترات طبقية بين اليمين واليسار وداخل اليمين واليسار اليهودين-الإسرائيليين. ولكن يجب أن نتذكر بأن الشرقيين والشرقيات يشكلون العامود الفقري للفقر في إسرائيل، تماماً كما يشكل الاشكنازيون والاشكنازيات العامود الفقري للغنى الإسرائيلي. وقد ظهرت بالانتخابات الأخيرة الفجوة الهائلة ما بين الفقراء والأغنياء بكامل رونقها، يكفي أن ننظر إلى التوزيع الجغرافي والمديني لنتائج الانتخابات. يجب أن نقرأ المعطيات المحلية للانتخابات الأخيرة فقط بهذه الصورة: الفقراء الشرقيون انتخبوا الليكود واليمين، والأغنياء الأشكناز انتخبوا أزرق-أبيض، العمل وميرتس.
ما عرض هنا هو تحليل سوسيولوجي سياسي. انه تحليل سوسيولوجي صالح لنتائج انتخابات ٢٠١٩. اتضح بأن سيطرة الهيمنة الأشكنازية تعتمد على مدراء العبارات. هؤلاء يكبحون التغيير الاجتماعي المدني والديمقراطي بواسطة إحباط احتمالات صعود قيادة شرقية مختلفة. أنا أسوق هذا الادعاء منذ حوالي ٣٠ سنة، ولكنه أصبح جلياً في الانتخابات الأخيرة على الأقل لمن هم مستعدون لرؤية الأمور على حقيقتها. مع ذلك، لا حاجة لأن نقبل بشكل مرضي الخيار السياسي للفقراء الشرقيين. فبإمكان هؤلاء أن يتمردوا ويرفضوا. دائماً ستكون امكانية الرفض الاجتماعي متاحة أمامهم.
نهايةً، فيما يتعلق بسؤال مواصلة الشرقيين انتخاب الليكود، فطبقة العمال ليست وحدها المنقسمة، كذلك الطبقة الحاكمة مركبة هي الأخرى من عدة فروع للسيطرة والقوة. هناك توزيع طبقي داخل المجموعة الشرقية. هناك الفقراء الشرقيون ومدراء العبارات الشرقيون، والأخيرون كما أوضحنا يخدمون مصالح سلالة المال والقوة الأشكنازية. سلالة القوة والمال الاشكنازية تنقسم هي الأخرى الى تيارات مختلفة. فهناك مثلاُ التيار الديني القومي الذي نمى في ال-٤٠ سنة الأخيرة حتى أصبح مركزياً. اليوم، بات هذا التيار ينافس بنجاح كبير سلالة الأراضي الأشكنازية لحركة الاستيطان العاملة. وكلا التيارين ينافسان سلالة المال الاشكنازية-الاسرائيلية. سلالة المال هذه تسيطر على الاقتصاد الاسرائيلي ليس فقط بواسطة المؤسسات المالية، البنوك وشركات التأمين انما كذلك من خلال إنتاح وتسويق الأغذية، منتجاتها وكافة المنتجات الاستهلاكية في إسرائيل. هناك كذلك سلالة اكاديمية أشكنازية في إسرائيل. باختصار، هناك صراع بين مجموعات الأكشناز لكن المكانة المهيمنة للأشكنازية كطبقة نبلاء اجتماعية لا تمس. هذا صحيح تماماً على غرار الصراع بين الرأسماليين الذي لم يمنع انتصار الرأسمالية كنظام اقتصادي.
أفضل انتقام من سلالة المال والقوة الاشكنازية لا يأتي بانتخاب نتنياهو انما باتخاذ خيار مدني، ديمقراطي وطبقي واعي. الشرقيون الفقراء يختارون الخيار الطبقي ويمنحون قوتهم لليكود. يجب أن يختاروا بأنفسهم. انتخاب نتياهو كانتقام وتكريس ايديولوجية “الاحترام والمحبة” يضمنان الهزيمة الاجتماعية. بدل الانتقام يجب التغيير. بدل اللعنة يجب تنظيم الصفوف. هنا بالضبط يقع أبناء الطبقة الوسطى الشرقية. بدل أن يدركوا كونهم جزءاً من مجموعة اجتماعية، هم يبحثون عمن يربت على أكتافهم لأنهم أصبحوا فوق الشعب. هذا ما يتسبب به القمع لنفسية المضطهدين والمضطهدات. يجعلهم أخر من يمنح الشرعية للظلم الذي يلحق بأبناء جلدتهم.
الانتقام ممن سحقهم قبل ٧٠ سنة بواسطة من يسحقهم الآن في ال-٤٠ سنة الأخيرة هو كالتخلص من الحنش بواسطة ادخال حية كوبرا الى صالون بيتك. الى أن تقوم هنا قيادة شرقية من الفقراء الشرقيين الذين يحاربون الهيمنة الأشكنازية في المجتمع الإسرائيلي، سينتهي بنا المطاف الى مقاتلة الحنش الذي لم يعد هنا دون جدوى وترك الكوبرا تملأ حياتنا سماً قاتلاً.